سوف تزداد حوادث الطرق !
نحن مصممون على عدم حل مشاكلنا أو علاج العرض وليس المرض واختراع العجلة من جديد، ونتعمد أن نشغل أنفسنا بأطراف المشكلة وليس بجذورها الحادث المروري الذي وقع أمس على طريق بنها المنصورة وراح ضحيته أكثر من ثلاثين قتيلا ومصابا لن يكون الأخير، بل سوف تزداد الحوادث ومعها سوف يتزايد عدد القتلى والمصابين ولن يتوقف نزيف الأسفلت؛ لأن الدولة لم تتخذ أي إجراء للحد من حوادث الطرق وتكتفي بعشرة آلاف جنيه للقتيل وخمسة للمصاب، ومازالت تستخدم المسكنات في علاج المشكلة وسياسة رد الفعل هي السائدة، فالمجلس القومي للسلامة على الطرق يجتمع فقط في الحوادث الكبرى ثم ينتهي إلى لا شيء وتوصياته أكلتها الفئران في الأدراج..
مصر يا سادة من أكبر دول العالم في مجال حوادث الطرق ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن الضحايا فإن الفاتورة المادية والبشرية للحوادث عشرة أضعاف معدلاتها العالمية وسوف تتضاعف طالما أننا مازلنا نسير على الطريق الخطأ أو عكس اتجاه الحلول المطلوبة..
سمعة مصر العالمية في الحوادث والفوضى المرورية سيئة جدا ويكفي القول إن تقارير البنك الدولي تحذر الأجانب من القيادة بأنفسهم في مصر لأنها خطر على حياتهم وهذا بالطبع يؤثر الاستثمار والاقتصاد على التنمية بشكل عام ويقاس درجة حضارة الدول بمدى انضباطها المروري.
نحن نحاول علاج المشكلة بالقوانين وتغليظ العقوبات وأصبحنا الدولة الأولى في العالم في كثرة القوانين رغم عدم تنفيذها، 70% من حوادث الطرق سببها الأخطاء البشرية 20% سببها المركبة (الأمن والمتانة) والظروف المناخية 10% فقط سببها الطرق رغم سوء جودة معظمها إذًا العنصر البشري الأساس في زيادة نسبة الحوادث لو أننا نريد الحل النهائي فعلا علينا بعلاج الأخطاء البشرية من خلال أمرين غاية في الأهمية هما التعليم والانضباط.
التعليم، هل يعقل أن مناهجنا كلها من أولى حضانة وحتى الجامعة لا يوجد فيها مادة واحدة حول آداب المرور وأخلاقيات القيادة وأنه تعليم غير مرتبط تمامًا بواقع المجتمع واحتياجاته ومشكلاته المزمنة وأهمها فوضى المرور والقيادة، يجب اليوم قبل غدا أن تكون هناك مادة عن المرور تدرس نظريا وعمليا بداية من سنة أولى حضانة حتى سن استخراج رخصة القيادة يدرسها رجال المرور وأساتذة علم النفس والاجتماع والطرق والنقل والاقتصاد ثم يقوم رجال المرور باصطحاب الأطفال إلى الطرق والشوارع يعلمهم كيفية العبور واحترام قواعد وآداب المرور والقيادة السليمة على سيارات تشبه سيارات الملاهي بهذا سوف يتم غرس هذه القيم في نفوسهم من صغرهم ويتعودون على احترامها دون الخوف من العقوبة ويشارك مع التعليم بالتوعية كل من الإعلام والثقافة والفن.
أما الانضباط يكون بتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير وهذا لا يحدث في مصر طالما وجد رجل المرور في الشارع فيجب استبداله بكاميرات مراقبة (Intelligent Transportation Systems، ITS) النقل الذكي كما يحدث في كل دول العالم حتى التي كانت متخلفة، فالكاميرا سوف تضبط المخالف ولن تفرق بين الوزير والخفير ولا بين رجال القضاء وجامعي القمامة أو بين الضباط والمزارعين الجميع أمام الكاميرا سواء والمخالفة فورية والعقاب سريع لأن من أمن العقاب أساء الأدب.
هنا سوف يلتزم الجميع وتنخفض نسبة الحوادث إلى معدلاتها العالمية ليس هذا فقط بل سوف نمنع الحمولة الزائدة التي دمرت الطرق وأيضا منع الجريمة وسرقة السيارات هذا النظام كان حلما للدكتور سعد الجيوشي وزير النقل السابق الذي سعى لتطبيقه وبالفعل حصل على موافقة مجلس الوزراء على التعاقد مع شركات سوف تنفذه مجانا في مقابل حق استغلال الخدمات على هذه الطرق ونسبة من المخالفات.
هذا المشروع توقف ولن يتم تنفيذه لأنه يؤثر فى مصالح كثير من المستفيدين من الفوضى الحالية، ويقع تحت الانضباط أيضا ضرورة إنشاء مدارس محترمة لتعليم القيادة وعدم استخراج الرخصة إلا بعد اجتياز دورات قاسية في القيادة، دماء الضحايا الأبرياء وعجز المصابين وتشرد الأسر وكثرة اليتامى وضياعهم والخسائر المادية وسمعة مصر العالمية في رقبة كل من وقف أمام مشروع النقل الذكي وتساهل في استخراج رخصة القيادة والمركبة وتأخر في غرس قيم وآداب المرور وأخلاقيات القيادة في نفوس الأطفال كل هؤلاء سوف يتحملون الذنب في الدنيا والآخرة.
