رئيس التحرير
عصام كامل

الإنترنت والوصول إلى الشباب.. كيف فعلها أوباما؟!


لماذا نغفل أهمية التواصل مع هذا الجيل من الشباب كوسيلة لأزمة لإنقاذه من عشوائية الفكر الضال المتطرف وضلالات الإرهاب وسمومه.. لماذا نتركه للتجربة العشوائية والتشكيل العشوائي الذي يجردهم من الولاء والانتماء والمواطنة والاندماج والتسامح والتعايش السلمي والتفاعل والمشاركة في شئون هذا البلد..لماذا لا نتذكر الشباب إلا في مناسبات انتخابية تشتد الحاجة إلى مشاركتهم فيها.. ثم ننعي غيابهم إذا عزفوا عنها دون أن نرجع مثل هذا العزوف إلى أسبابه الحقيقية، ثم نستسهل المبررات فنرميهم بالسلبية والانعزالية أو الشطط والتهور والتمرد وكان الأولى بنا أن نرجع إليهم.. نناقشهم ونحاورهم ونوفر لهم سبل المشاركة والتفاعل ونمنحهم فرصة العمل والحوار والتعبير عن أنفسهم..


بدلًا من الركون إلى وصف العرض الظاهر لمرضٍ متأصل، أسهمت فيه عوامل عديدة، وتسببت فيه حكومات متعاقبة لم تر الشباب رقمًا صحيحًا في معادلة السياسة والإدارة.

وحتى لا يتسع الخرق على الراتق، وتستعصي المشكلة على الحل فإن علينا أن نبحث عن حلول لمثل هذه المعضلة.. وأن نسأل أنفسنا في مؤسسات الدولة المعنية بالتربية والشباب وفي البرلمان وداخل مجلس الوزراء ومؤسسات الفكر والمؤسسات الدينية.. لماذا وصلنا لهذه الحالة.. كيف نستعيد الروح الوطنية لدى شبابنا.. كيف نعيد التواصل الفعال المثمر معهم.. كيف نأخذ بأيديهم ونقيلهم من عثرتهم..؟!

أتصور أن الإنترنت التي يحتفل العالم اليوم بمرور 25 عامًا على اعتمادها عالميًا كوسيلة اتصال عالمية حديثة هي المدخل.. وربما أهم أدوات التواصل مع الجيل الجديد؛ إذ يمكن اعتبارها "أيقونة العصر" وأهم منجزاته، وهي طريق المستقبل، فلم يعد في مقدور أحد الاستغناء عنها.. ومن ينكر ذلك فهو خارج سياق الزمن.

لقد خلقت شبكة الإنترنت عالمًا افتراضيًا لا نهائيًا، وصارت أداة لتشكيل الوعي لدى قطاعات واسعة من المجتمع، وعيًا عالميًا عابرًا للقوميات والأعراق واللغات، وأحدثت نقلات نوعية وثقافية هائلة متحررة من شتى القيود، فعدد مستخدمي فيس بوك وحده تجاوز 1.7 مليار مستخدم حول العالم؛ ذلك الموقع الاجتماعي الذي لم يدر بخلد مؤسسه الشاب مارك زوكر بيرج ولا أصدقائه أن يحظى بهذه المكانة العالمية وذلك الإقبال الهائل، ولا أن يصبح بهذه القوة الاقتصادية الضخمة والتأثير اللا محدود في العقول والأفكار والأيديولوجيات.

كما لم يتوقع أحد هذا النجاح الذي حققه " تويتر" أحد منصات التواصل الاجتماعي الذي وفر طريقة مبتكرة في الاقتراب من المشاهير الذين كان الوصول إليهم مستحيلًا.. ناهيك عما ناله موقع "ماي سبيس" من شعبية طاغية منذ جرى إطلاقه كأول موقع إلكتروني متكامل يحمل فكرة التواصل الاجتماعي.

للإنترنت قوة تأثيرية هائلة، يمكن اعتبارها "ديوان العصر" وهو ما تنبه له مبكرًا قادة وزعماء حرصوا على سرعة التواصل مع الجماهير من خلال مدوناتهم الشخصية، بعيدًا عن قيود البروتوكول والدبلوماسية.. وأبرز مثال لذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ذلك الشاب الأسمر ذو الجذور الأفريقية التي اعتبرها كثيرون فألًا حسنًا للقضايا العربية الإسلامية لكنه –أي أوباما- في الواقع كان وبالًا ونذير شؤم عليها كأسوأ الرؤساء الأمريكيين مواقف تجاه العرب والمسلمين..

بيد أنه نجح بحسه السياسي منذ ترشحه للفترة الأولى في كسب قلوب الشباب وعقولهم، واستمالة فئات عريضة من المجتمع الأمريكي حتى ظفر بهذا المنصب الرفيع بفضل الإنترنت التي وفرت له بيئة مناسبة لطرح أفكاره ورغبته في التعبير وتحقيق الحلم.. تواصل أوباما عبر الفضاء الإلكتروني مع جمهوره.. ناقشهم.. أخذ منهم ورد عليهم حتى نجح في خلق مؤيدين مؤمنين بأفكاره قادرين على الوصول بها إلى كل مكان في أمريكا ثم جمعوا له تبرعات، وكثفوا الدعاية الانتخابية لبرامجه حتى جاءته رئاسة أمريكا طوعًا.. وحسم الإنترنت السباق الانتخابي لصالحه فترتين رئاسيتين متتاليتين بصورة لم يسبقه إليها غيره.
الجريدة الرسمية