رئيس التحرير
عصام كامل

مي عبدالرحمن تكتب: حكاية 6 أيام في بلاد الشمس.. ثمانية ملايين سائح تستقبلهم كرواتيا سنويًا... 24 شخصا تعداد الجالية المصرية.. «البيرة» مشروبهم المفضل.. والمرأة الكرواتية «على راسها ريشة

فيتو

في بلاد تغيب شمسها في التاسعة إلا الربع مساءً وتوقظ الناس على حرارتها القاسية أحيانا في الرابعة صباحا تصبح الزيارة واحدة من التجارب الإنسانية المفعمة بالحياة.. أهلا بك في مدينة الشمس.. زغرب العاصمة الكرواتية لا تزال تبوح بأسرارها للزائرين الذين يبلغون ثمانية ملايين سائح سنويًا هي جملة عدد السياح المتوجهين إلى كرواتيا تلك الدولة العائـدة إلى الاستقلال عن جمهورية يوغسلافيا عام 1991م.


شوارع المدينة موحية بتجربة اشتراكية تبدو ملامحها واضحة في بنايات فخمة دون ارتفاع وزخارف فنية بديعة توحي بثراء فني لا تخطئه العين العابرة.. تستطيع أن تستمتع برياضة المشي حتى منتصف الليل على رصيف يطبق الشعار الإنساني بأن الأولوية للمشاة، حيث تتسع الرؤية أمامك بشوارع واسعة تغطيها أشجار كثيفة تبدو خضرتها نضرة وارقة ندية تسر الناظرين.. الناس مسالمون لا يضايقك منهم اختلاس عين أو نظرة فاحصة أو تدخل غير محمود.

و"زغرب" مصنفة عالميًا بأنها المدينة الثانية من حيث الأمان.. كل شيء هادئ يعبر عن صفات شخصية لشعب يصل عدد أفراده أربعة ملايين وربع المليون تقريبًا، يستطيع أن يستقبل ثمانية ملايين سائح يزورون ألفًا ومائتي جزيرة بديعة تزخر بها كرواتيا بلاد الجزر والسواحل.. العنصر الإنساني هنا هو إحدى أهم قدرات كرواتيا إلى العبور بسلام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي عام ٢٠١٣ م.

المقيم في العاصمة الكرواتية "زغرب" أو زائرها ليس بحاجة إلى سيارة خاصة تحول بينه وبين المعاناة التي نعيشها في بلادنا، فوسائل المواصلات مريحة للغاية، تستطيع أن تقرأ فيها.. أن تتأمل البنايات المحيطة التي ما زالت تحمل بقايا المملكة الاتحادية الاشتراكية وبعضا من آثار الإمبراطوريتين الرومانية الغربية والبيزنطية، ليس هناك أي ناطحات للسحاب أو أبراج معمارية تحول بينك وبين سماء لا تغطيها سحب سوداء أو رمادية بل تزينها قطع من القطن الأبيض، هي ذلك السحاب الذي يلتقي بقمم جبل كوتار الواقع بين جبال الألب الدينارية ليسقط ويصب في نهري الدانوب والدرافا، أيضا تستطيع أن تغفو لبضع دقائق دون أن يزعجك أحدا.. بتذكرة واحدة تستطيع أن تتنقل بين الأتوبيس والترام والقطار، طالما كانت تنقلاتك في حيز التسعين دقيقة.

في "زغرب" المساحات الخضراء تطل عليك من كل زاوية، فتجد الحدائق والمتنزهات تنتظر قدومك إليها دون استئذان، أيضا تزخر العاصمة بعدد كبير للغاية من المتاحف الغريبة على مستوى العالم ومنها متحف العلاقات المحطمة، الذي يضم المئات من قصص الحب الفاشلة والألم والسخرية من العلاقات الإنسانية.

أربعة وعشرون مواطنا مصريا يعيشون هنا بين رجال أعمال وطلاب علم يدرسون في الجامعات الكرواتية هم جملة الجالية المصرية غير أن هذا العدد لا يعبر عن حقيقة التواصل المصري الكرواتي والتوافق في عديد الملفات كما روت لي السفيرة المصرية النشطة ألفت فرح خاصة فيما يتعلق بالرؤية المشتركة حول الإرهاب والتطرف والقضايا الإنسانية والثقافية التي تشكل روافد للتلاقي الحضاري.

الشعب الكرواتي شعب متحضر يتذوق الفنون بعمق وروية، على مدى ستة أيام كانت شوارع العاصمة الكرواتية "زغرب" تكتظ بالشباب والعجائز والأطفال من طبقات اجتماعية متباينة، كلهم ملتفون حول فرقة التنورة للفنون التراثية المصرية المشاركة في فعاليات مهرجان الفلكلور الدولي الخمسين، والتي استطاعت أن تعزف بأصالة الناي والربابة على أوتار شعب يعرف قدر الفنون ويتفاعل معها، أيضًا لم تكن فرق إيطاليا وفرنسا وأذربيجان وإندونيسيا بعيدة عن هذا السجال الفني التراثي، حيث اشتدت المنافسة في معركة إثبات الذات بساحة ميدان «Ban Jelačić» في قلب العاصمة الكرواتية، لتندمج الجماهير الملتفة حول العروض حتى أصبحت جزءا أصيلا من الأداء الفني الرائع.

المطبخ الكرواتي في مذاقه يختلف إلى حد كبير عن المذاق العربي الشرقي المفعم بالتوابل الحارة، ذات الرائحة النفاذة التي تعشقها الأنوف العربية، فالتقليدي منه يتأثر بأساليب الطهي المجرية والنمساوية والتركية أحيانا، خصوصا في الأطباق المتعلقة باللحوم والأسماك والخضراوات، وتربطنا بهم نحن العرب قنينة زيت الزيتون الحاضرة وبقوة على موائد الطعام سواء في المطاعم التقليدية أو العالمية.

أما المقاهي فتتأثر بالطراز المعماري الأوروبي، وتقدم كل المشروبات العربية والعالمية، ولكن تبقى البيرة هي المشروب المفضل الكرواتي، حيث احتلت كرواتيا المرتبة الخامسة عشر بين الدول الأعلى استهلاكًا للبيرة عالميًا.

المرأة في المجتمع الكرواتي، تجدها نادلة في المطاعم، وبائعة في الأسواق المحلية، ورئيسة حزب تدافع عن قضايا محلية، وأيضا مسئولة في الحكومة تحمل على عاتقها ملفات إقليمية ودولية.. مما يجعلنا نقول إن المرأة في كرواتيا على رأسها ريشة.
الجريدة الرسمية