رئيس التحرير
عصام كامل

مخاطر «سد النهضة» على مصر في رسالة دكتوراه بجامعة الأزهر.. السد الإثيوبي يهدد مليوني أسرة بــ«التشرد» وتبوير مليون فدان.. العجز المائى ينتظر المصريين.. و«التدخل العسكري»

فيتو

قبل الخامس والعشرين من يناير عام 2011، كانت الأمور مع القارة الأفريقية تدار بــ”الدبلوماسية الخفية”، لا أحد يتابع ما يجري، ولا النظام يتحدث عما يفعل هناك، والطرف الآخر من جانبه لم يكن يمتلك المقدرة التي من الممكن أن تؤهله لمواجهة القاهرة، وبعد اندلاع الثورة، وانشغال القاهرة بأزماتها الداخلية، وجدت بعض الدول الأفريقية، وتحديدا إثيوبيا متنفسا لأحلامها، بدأت مرة أخرى في الترويج لبناء سد الألفية الذي تحول بعد ذلك لـ”سد النهضة”.


حل التفاوض
القاهرة التي انغمست حتى رأسها في مستنقع أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية الداخلية، لم تكن بذات القوة لتعلن رفضها الأمر، حيث جنحت الإدارة السياسية التي كانت تدير البلاد وقتها لـ”حل التفاوض”، وتوالت الإدارات الحاكمة وجميعها تمسكت بـ”جلسات المفاوضات”.

الحل العسكري

“الحل العسكري”.. رغم استحالة تنفيذه في وقتنا الحالى، ورغم تأكيد القيادة السياسية المصرية حاليا عدم رغبتها في الحديث عنه من الأساس، إلا أنه كان حاضرًا في إحدى رسائل نيل درجة الدكتوراه التي ناقشتها جامعة الأزهر في الآونة الأخيرة ومنحت الدكتور محمد إبراهيم أحمد المحامي بالنقض، والذي أعد الرسالة تحت عنوان “حق الارتفاق في المجرى والمسيل بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، وأثره في حوض نهر النيل (مصر نموذجًا)” مرتبة الشرف الأولى.

آثار سلبية
الباحث أكد في الرسالة ذاتها أكد أن لسد النهضة آثارًا سلبية على مصر لأنه –على حد قوله- سيؤدى إلى عجز شديد في المياه خلال فترة ملء الخزان، وسيكون العجز هائلًا، حيث إن مقدار النقص في المياه بمعدل 4 مليارات متر مكعب من شأنه تبوير نحو مليون فدان من الأراضى الزراعية وتشريد مليونى أسرة ريفية ونقص الإنتاج الزراعى بمعدل 12%، فضلًا عن الآثار غير المباشرة من محاولة تحلية مياه البحر وما تكبده من تكاليف باهظة ومحاولة توفير مواد غذائية تكلف المليارات من الدولارات.
وقال: «أي عمل يجري في هذا الحوض يهدف للتأثير في حصة مصر المائية المقررة سنويًا وهي (55.5) مليار م³، هو عمل يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تمت من خلال التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم منذ نهاية الثمانينيات والتسعينيات، فإن مصر تواجه تحديًا حقيقيًا، وهو دخول فاعلين جدد إلى منطقة حوض النيل (إسرائيل – الولايات المتحدة) و(البنك الدولي) وما أطلقه من مفاهيم جديدة منها (تسعير المياه وخصخصة المياه وبورصات المياه) بما قد يعنيه من نشوء صراع بين تلك الدول خلال السنوات المقبلة، إذًا يمكن أن تخرج القضية عن النطاق الإقليمي ويصبح للأطراف الخارجية دور تجاهها، ومن ثم ظهور أعباء إضافية على عاتق صانع القرار المصري وتهديد للأمن القومي المصري».

حصة مصر
كما أوضح أن حصة مصر في مياه النيل خلال الفترة الحالية تتعرض لخطر النقصان بعد أن عقدت دول المنبع اتفاق تعاون بينها للحصول على المزيد من مياه النيل، وقد أثار هذا الاتفاق رد فعل مصري سوداني يرفض تلك الاتفاقية، ويتمسك بجملة اتفاقيات دولية سابقة على رأسها الاتفاقية الموقعة في 1929م، والتي أعطت مصر حقوقًا واضحة تمثلت في توقيع بريطانيا حال كونها مستعمرة لدول المنبع على عدم إقامة أي أعمال ري أو توليد طاقة دون اتفاق مسبق مع مصر‏، كما لا تتخذ أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يمكن أن تنتقص من مقدار المياه التي تصل إلى مصر أو تعدل تاريخ وصوله أو تخفض منسوبه على نحو يضر بمصالح مصر، مؤكدًا أن هناك عددًا من الاتفاقيات الدولية التي تلت هذه الاتفاقية جميعها تؤكد حق مصر في مياه النيل، وهو ما تقرره الشريعة الإسلامية منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام في حق ارتفاق لمصر في مياه النيل.

العرف الدولى
وأكد الدكتور محمد إبراهيم أن العرف الدولى منع الدول من القيام بمشروعات استعمال المياه الدولية دون النظر واحترام حقوق الدول الأخرى المشتركة معها في النهر، وعدم جواز استغلالها لموقعها الجغرافى والتحكم في مياه النهر الدولى وعليها ضمان حقوق الدول المتشاطئة الأخرى، وهو ما جاء بتقرير اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة عام 1952.
ولفت الباحث الانتباه إلى أن مصر أبرمت عدة اتفاقيات مع دول الهضبة الاستوائية، وهى ست دول “كينيا وتنزانيا وأغندا والكونجو الديمقراطية ورواندا وبورندى” أهمها عام 1906 مع الكونغو تتعهد الأخيرة بعدم القيام بأى أعمال أو إشغالات على نهر السميلكى أو نهر أسانجو أو بجوارهما تؤدى إلى تخفيض نسبة المياه، واتفاقية عام 1929 مع السودان وأغندا وتنزانيا ألا تقام أعمال ري أو توليد قوى على نهر النيل أو فروعه أو البحيرات التي ينبع منها، من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل إلى مصر.

الطرق الدبلوماسية
ورأى الباحث ضرورة اتخاذ مصر كل الطرق الدبلوماسية الممكنة لإجبار إثيوبيا على تنفيذ تعهداتها بموجب الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها وفقًا للقواعد القانونية الدولية، وأخيرًا وفقًا لمبدأ الاستمرارية، والذي مقتضاه التزام دولة الخلف بما أبرمته دولة السلف من معاهدات لأن تأكيد حق مصر التاريخى وفقًا لمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو المبدأ الذي تأسس عليه الاتحاد الأفريقى وقامت عليه دول القارة السمراء لأن أزلية الحدود السياسية وما فتحته مصر من أراضٍ كانت تمتلكها داخل دول المنبع مقابل حصتها في مياه النيل مع اشتراط ألا يتم المساس بحصتها في المياه أبلغ رد على اتفاق عنتيبى.
تجدر الإشارة إلى أن لجنة الحكم والمناقشة التي ناقشة الرسالة كانت برئاسة الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، مشرفًا والدكتور أسامة السيد عبد السميع، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر والدكتورة ماجدة محمود هزاع، أستاذ الفقه المقارن بكلية البنات بجامعة الأزهر، وأوصت اللجنة بترجمة الرسالة باللغات الأجنبية لتوزيعها على دول العالم.
الجريدة الرسمية