رئيس التحرير
عصام كامل

القرض الدولي.. ليس على «المتسولين» حرج!


أزمات اقتصادية طاحنة.. زيادة عجز الموازنة العامة.. تفاقم الديون الخارجية.. ارتفاع فائدة الدين الداخلي.. انهيار الجنيه أمام الدولار.. السياحة تلفظ أنفاسها الأخيرة.. تراجع حاد في الإنتاج.. كلها مؤشرات «خطيرة» دفعت الحكومة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي؛ للحصول على قرض بـ12 مليار دولار على ثلاث سنوات.


الحكومة بررت القرض بأنه «طوق النجاة» لحل مشكلات كثيرة، والتغلب على أزمات خطيرة نعاني منها، وأن الحصول عليه يعد شهادة ثقة في الاقتصاد المصري، وأن البلاد قادرة على تجاوز الأزمات، بالإضافة إلى أنه ضرورة لا بديل عنها لـ«سد الفجوة التمويلية»؛ بعد تراجع المنح الخليجية، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

ربما كانت مبرارات الحكومة للحصول على القرض الدولي منطقية تمامًا، إلا أنها، وكعادتها دائمًا لجأت إلى «الحل الأسهل»، المتمثل في «الاقتراض».. وكأننا أدمنّا أن نأكل بالدَيْنِ، ونشرب بالدَيْنِ، ونلبس بالدَيْنِ، ونتعلم بالدَيْنِ، ونتعالج بالدَيْنِ!

الأمر المثير للدهشة والسخرية معًا أن مسؤولين ومدافعين عن القرض أكدوا أنه «لن يمس محدودي الدخل، ولن يقترب من الدعم، ولن يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات الاستراتيجية، ولن يؤثر على العمال»!

قطعًا هذه تصريحات «عبثية».. فما نعلمه جميعًا؛ متخصصون وغير متخصصين، أن صندوق النقد الدولي ليس «جمعية خيرية»، وأن من شروط حصول أي حكومة على قرض من الصندوق، التزامها بإجراءات إصلاحية «مؤلمة»، مثل: اتباع سياسة تقشف، وخفض الدعم، وتحريك سعر صرف الجنيه، الأمر الذي سيرفع الأسعار، ويزيد من معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة على السواء.

فإذا كان هناك مَنْ يرى أن الصندوق الدولي «نعمة»، مستشهدًا بـ«التجربة البرازيلية»، إلا أنه قد يتحول إلى «نقمة» كما حدث لـ«التجربة الأرجنتينية».. والخلاصة أن البرازيل ما كانت ستنجح إلا بوجود «إرادة سياسية».. فهل الحكومة في مصر لديه الرغبة الحقيقية، والعزم الأكيد للخروج من عنق الزجاجة؟

نقول في المأثور: «آخر الدواء الكي».. فهل اتخذت الحكومة جميع الإجراءات للحد من الانهيار الاقتصادي قبل التفاوض للحصول على قرض صندوق النقد الدولي؟.. قطعًا «لا».. بل لا نبالغ حين نتهم الحكومة بأنها ليس لديها الإرادة والرغبة في إجراء إصلاحات حقيقية.. ويكفي أن تعلم أن في أربعة أشهر فقط استوردنا «أطعمة للقطط والكلاب بـ52 مليون دولار»، بينما «نتسول» الدولار لشراء احتياجاتنا الأساسية؟

إننا لسنا ضد القروض على إطلاقها، لكن ضد القروض التي نرى أن ضررها أكبر من نفعها، وأن شروطها، وآثارها الجانبية، أخطر من الفوائد التي ستعود من ورائها.. وكان بإمكاننا الاستغناء عن القرض الدولي؛ بالاعتماد على ذواتنا، كما حدث في مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس.

أعتقد أن حل مشاكلنا الاقتصادية ليس مرهونًا بصندوق النقد الدولي، أو مرهونًا بالمساعدات والمنح الخليجية.. بل مرهونًا بإرادة سياسية حقيقية في محاربة الفساد في كافة المجالات، ورغبة صادقة في اتخاذ إجراءات إصلاحية فورية ومستقبلية، والاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة، وبذل كافة الجهود من أجل عودة السياحة، والعمل على زيادة الإنتاج بإعادة الحياة إلى المصانع المتوفقة، والتوسع في إنشاء مصانع جديدة، وورش صغيرة، ومشروعات متناهية الصغر، وتذليل كافة العقبات لجذب الاستثمارات الأجنبية، وقبل كل ذلك الثقة في الله، ثم الثقة في قدرات هذا الشعب العظيم.
الجريدة الرسمية