رئيس التحرير
عصام كامل

سد العجز بذبح الشعب


أعضاء الحكومات المصرية يتفننون في البحث عن كل ما هو جديد لمصّ دماء الشعب، حتى آخر قطرة، والمبرر هو العجز الدائم في الموازنة العامة.. وكأن كل الحلول انتهت، وكل الآفاق انسدت، ولم يعد ثمّ ما يمكن اللجوء إليه سوى التفتيش في جيوب المواطنين الغلابة.


آخر افتكاسات الحكومة الحالية هو مشروع قانون القيمة المضافة، والذي سيؤثر، قطعا، بشكل مباشر على المواطنين على اختلاف مستويات دخولهم، لأنها ضريبة على استهلاك السلع والخدمات، تُحمل بشكل غير مباشر للمستهلك النهائي.

وأدرجت الحكومة هدف التحول من ضريبة المبيعات إلى ضريبة القيمة المضافة في الموازنتين السابقتين، 2014-2015 و2015-2016، إلا أن التطبيق كان يتم تأجيله، فيما يرجعه محللون إلى التخوف من الآثار الاجتماعية والسياسية المترتبة على ارتفاع مستويات الأسعار المتوقع بعد تطبيق تلك الضريبة.

وكانت الحكومة أعلنت بعد سنوات قليلة من التطبيق الكامل للضريبة على المبيعات في العام المالي 2001-2002، أنها بصدد دراسة تحويل هذه الضريبة إلى ضريبة على القيمة المضافة، وقد تجدد الحديث بعد فترة وجيزة من قيام ثورة يناير 2011 عن وجوب الانتقال إلى نظام الضريبة على القيمة المضافة باعتبارها بابا مهما لزيادة الإيرادات العامة.

وتعتبر "القيمة المضافة" ضريبة غير المباشرة، لأنها لا تُجبى مباشرة من المستهلك، لكنها تُدفع مجزأة على مراحل، على عكس ضريبة المبيعات التي تحصل مرة واحدة كنسبة أو مبلغ مالي محدد محسوب على القيمة النهائية للمنتج.

وتُفرض ضريبة القيمة المضافة على السلعة في مختلف مراحل إنتاجها وتداولها خلال انتقالها من المنتج إلى المستهلك، ويدفع المكلف بها في كل مرحلة ضريبة على القيمة التي تضيفها تلك المرحلة للقيمة النهائية للسلعة أو الخدمة.

وتنعكس الزيادة في النهاية على سعر بيع السلعة أو تأدية الخدمة للمستهلك النهائي، والذي يكون فعليا هو المتحمل لتلك الضريبة بشكل غير مباشر.

هذه المرة حملت الأرقام التي قدمتها الحكومة في مشروع الموازنة العامة حصيلة "ضريبة القيمة المضافة" قبل أن يتم طرحها للمناقشة في مجلس النواب..أي أن موافقته مثل عدمها؛ ما يعني أن الأمر انتهى، والحسابات تم إعدادها، ولا فائدة من الجدال والنقاش والاحتجاج.

ورغم اتجاه عدد كبير من بلاد العالم لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وضغط المؤسسات المالية الدولية على مصر للإسراع في تبنيها باعتبارها إحدى الأدوات التي توفر لها إيرادات تقلل من العجز المالي الذي تعانيه، فإن النقد الأساسي الذي يوجه للتوسع في هذه الضريبة، وفي الضرائب على الاستهلاك بشكل عام، هو أن عبئها يقع على الأقل دخلا.

وكالعادة سيستغل التجار جهل المواطنين، في ظل حالة القصور التي تعاني منها الدولة في تثقيف المجتمع اقتصاديا، والنتيجة أن ضريبة القيمة المضافة سيتحملها المستهلك في ظل غياب الرقابة.

وتقول ورقة بحثية صادرة عن معهد التخطيط القومي بعنوان "الانتقال من الضريبة العامة على المبيعات إلى الضريبة على القيمة المضافة في مصر"، إنه من المعروف أن ميل الفرد للاستهلاك يتجه للانخفاض مع ارتفاع مستوى دخله، "بمعنى أن الأقل دخلًا ينفقون على الاستهلاك نسبة أكبر من دخولهم بالقياس إلى الأعلى دخلًا"، لذلك يقع عبء ضريبة القيمة المضافة كنسبة من الدخل بدرجة أكبر على أصحاب الدخول المنخفضة.

بينما يُنظر إلى الضرائب على الدخل، وخاصة التصاعدية منها، على أنها أدوات لإعادة توزيع الدخل في المجتمع، وبالتالي فالتوسع فيها يحقق درجة أكبر من العدالة الاجتماعية".

الضريبة في النهاية سيتحملها المستهلك، ككل الضرائب السابقة، ولا عزاء للفقراء الذين يزدادون فقرا.. وللطبقة المتوسطة التي تآكلت بفعل قرارات الحكومات المتعاقبة، التي تتمتع بقدر معتبر من ضيق الأفق، وضحالة التفكير.

مصادر الموارد كثيرة جدا.. القضاء على التهرب الضريبي.. تشغيل المصانع المتعطلة..تشجيع التصدير..الحد من الاستهلاك الاستفزازي.. وقف إسهال الاقتراض.. تعظيم الاستفادة من الصناديق الخاصة.. إلخ.

من الآخر، علاج عجز الموازنة بذبح الشعب.. استسهال حكومي.. وربنا يستر على مصر، والمصريين من سياسات حكومات الجباية.
الجريدة الرسمية