رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان الطاغية يأخذ تركيا إلى الهاوية


"خسر أردوغان في جميع الأحوال وتركيا باتت في مهب الريح وتحولت إلى سجن كبير"، هذا باختصار شديد نتيجة الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا وستتوالى تداعياته إلى أجل غير مسمى رغم نجاح أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية "الإخوانية" في القضاء السريع على الانقلابيين.


خمس ساعات هزت عرش طاغية العصر أردوغان الذي استنجد بالشعب مذعورا عبر تطبيق هاتفي مشفر لعدم الكشف عن مكانه، ودعاه إلى النزول للشوارع في مواجهة الجيش دفاعا عن الشرعية بمعنى إما بقائي في الحكم أو الحرب الأهلية وغرق تركيا في الدم، تمامًا مثلما أراد المعزول مرسي.. لكن الشعب المصري كان من الذكاء والوطنية بأن خرج بعشرات الملايين ضد مرسي وجماعته الإرهابية وانحاز إليه الجيش العظيم لينهي مأساة سنة من الحكم الفاشي..

أما في تركيا التي تتشدق بالديمقراطية فقد انساق أنصار أردوغان إلى الشوارع كالقطيع تطبيقا للطاعة العمياء في فكر "جماعة الإخوان" وقد وصفتهم صحيفة "نيويورك تايمز" بـ "الأغنام" لأنهم ينفذون ما يقوله أردوغان دون مناقشة.. وعندما وجد جنود الانقلاب أنفسهم في مواجهة الشعب مدعوما بمليشيات "إخوانية" لا تعرف سوى لغة الدم والذبح اضطر إلى الاستسلام في الشوارع.. وهنا انتهز أردوغان وحكومته الفرصة، فأمر باذلال الجنود وضباط الجيش بتجريدهم من ملابسهم وتقييدهم عرايا والاعتداء عليهم بالضرب والسحل ووصل الأمر إلى ذبح بعضهم وتصوير ذلك وعرضه تلفزيونيا.. وبالتوازي مع التنكيل بالجيش في الشوارع كان الطيران الأمريكي والكوماندوز الإسرائيلي يدافعان عن شرعية عميلهما أردوغان، مما اسهم في القضاء على الانقلاب خلال ساعات معدودة.

صحيح أن الانقلاب فشل واستعاد أردوغان السلطة، لكنه عاد للحكم كالنمر الجريح الشرس يسابق الزمن لإحكام سيطرته على السلطة وفرض نفسه "حاكما بأمره" مع كثير من التعسف والعنف لردع من تسول له نفسه مجرد التفكير مجددا في إعادة محاولة الانقلاب على حكم "الإخوان".. وإذا كان أردوغان قد بدأ "أخونة" الجيش على مراحل في فترات سابقة ما يفسر عدم تأييد قيادات الجيش للانقلاب، فإنه بعد ساعات من الانقلاب الفاشل بدأ عملية تصفية للخصوم وتطهير شاملة تخلص معها من الآلاف في قطاعات الجيش المختلفة وأوقف 118 من القيادات، وآلاف مماثلة في الشرطة رغم أنها يده القوية التي يبطش بها بالجيش والمعارضة والشعب، ولم يكتف أردوغان بل تحول بالتطهير إلى القضاء ليعزل نحو ثلاثة آلاف، كما أعفت الحكومة 15 ألف موظف بوزارة التربية ودعا مجلس التعليم الأعلى لإقالة 1577 من عمداء الكليات ورؤساء الجامعات على خلفية الانقلاب الفاشل، ومازال مسلسل التطهير والأخونة على أشده بموازاة اعتقالات اقتربت من 20 ألفا في قطاعات مختلفة بالدولة، حيث يعتقل أردوغان 10 أشخاص كل دقيقة تقريبا!!

أراد أردوغان منذ توليه الرئاسة تمرير تعديل دستوري لتحويل تركيا من نظام الحكم البرلماني الذي تمتع معه بإدارة الدولة عبر رئاسة مجلس الوزراء إلى النظام الرئاسي ليضمن الحكم المطلق إلى ما لا نهاية، وقد جاءته الفرصة مع فشل الانقلاب لترسيخ حكم الفرد وضرب الديمقراطية المزعومة في مقتل.

لكن فاته أن خطابه الطائفي وتمكين الإخوان من مفاصل الدولة وتكريس مفهوم "السلطان" والزعيم الأوحد ونقض كل وعوده أدت إلى الانقسام والاستقطاب وتفتيت وحدة الدولة وتسببت في محاولة الانقلاب على الحكم.. ومع هذا يصر الطاغية أردوغان على المضي قدمًا في الاستئثار بالحكم وسحق معارضيه و"أخونة" أجهزة الدولة متجاهلا الآثار الكارثية الناجمة عن سياسته الحمقاء، التي يأخذ بها تركيا إلى الهاوية، حيث انهارت السياحة بشكل دراماتيكي في غضون ساعات قليلة من محاولة الانقلاب وما تبعها من اعتقالات، كما انخفض سعر صرف الليرة التركية بشكل واضح، ثم بدأت العمليات الانتقامية ضد الحكومة منها على سبيل المثال هجوم مسلح استهدف نائب رئيس بلدية إسطنبول، وحرق عشرات المنازل العائدة لسوريين وعد أردوغان بمنحهم الجنسية التركية في وقت سابق، وستزيد هذه العمليات في القادم من الأيام وسط حالة الكر والفر بين الحكومة وخصومها.

وبرأيي أن تركيا ستكون صيدا سهلا لجيرانها بعد أن أدركوا حالة الجيش البائسة بعد أن أهين وأهدرت كرامته على الملأ ويحتاج سنوات ليداوي جراحة، وستعاني تركيا أيضًا من عدم الاستقرار الداخلي ومن الأزمات المتعددة منها إرهاب «داعش»، والأزمة المفتوحة مع الأكراد، وكذلك مشكلة أردوغان مع جزء كبير من الجيش التركي الذي يريد الثأر لنفسه بعد تعرضه للانكسار المعنوي والبنيوي والإهانة والإذلال، في موازاة أوسع عملية اعتقالات وتوقيف أفرغت المؤسسة العسكرية من كوادرها... باختصار محاولة الانقلاب انتهت على الأرض ولكن تداعياتها ستطول ونتائجها مفتوحة على كل الاحتمالات.
الجريدة الرسمية