كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم
يتخلص كثير منا من فائض الطعام رغم وجود آلاف الأسر المتعففة والمحتاجة لقليل مما نتخلص منه، وبالإمكان إيصال فوائض الطعام إليهم بشكل شخصي أو عن طريق الجمعيات الخيرية أو المتطوعين لفعل الخير وخدمة المحتاجين والأسر المتعففة، خصوصا أن صدقة الإطعام لوجه الله ثوابها عظيم، وقال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
من بين الحكايا العربية وردتني قصة عن أثر التصدق بالطعام في دفع البلاء، وفيها أن امرأةً صالحة رأت في منامها أنَّ أحد أقاربها لدغته أفعى سامة فقتلته ومات من فوره، وقد أفزعتها الرؤيا وأخافتها جدًا حتى أنها لم تستطع العودة إلى النوم.
وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت قريبها وقصّت عليه رؤياها وأعربت له عن مخاوفها، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله، ويأخذ الحذر والحيطة لثقتها في رؤاها، فنذر الرجلُ أن يذبح كبشين كبيرين لوجه الله تعالى عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة.
وهكذا فعل، ففي مساء اليوم نفسه ذبح رأسين كبيرين من الضأن، ودعا أقاربه ومعارفه وجيرانه وقدم لهم عشاءً دسمًا، ووزَّعَ باقي اللحم حتى لم يبقَ منه إلا قطعة صغيرة. وكان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم طوال اليوم، بسبب القلق الذي يساوره، والهموم التي تنغّص عليه عيشه وتقضّ مضجعه، فهو وإن كان يبتسم ويبشّ في وجوه الحاضرين، إلا أنه كان يعيش في دوامة من القلق والخوف من المجهول.
لَفَّ الرجلُ قطعة اللحم المتبقية في رغيفٍ من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها، لكنه تذكّر عجوزًا من جيرانه لم تستطع القدوم إلى بيته بسبب ضعفها وهرمها، فلام نفسه: لقد نسيت تلك العجوز وستكون قطعة اللحم على صغرها من نصيبها، وذهب إليها بنفسه وقدّم لها قطعة اللحم معتذرا بأنه لم يبقَ عنده شيء من اللحم غير تلك القطعة.
سُرَّت المرأةُ العجوز بذلك وأكلت اللحم وألقت العظمة الملتصقة باللحم أمام باب البيت، وفي ساعات الليل جاءت حيّة تدبّ على رائحة اللحم، وأخذت تُقَضْقِضُ ما تبقى من الدهنيات واللحم في العظام الملقاة بين بيت الرجل والمرأة العجوز، فدخلت قطعة عظم في حلقها ولم تستطع الحيّة التخلّص منها، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجرّ نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها دون فائدة.
وفي ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل صاحب النذر حركة وخَبْطًا وراء بيتهم فأخبروا والدهم بذلك، وعندما خرج ليستجلي حقيقة الأمر وجد الحيّة على تلك الحال وقد التصقت عظمة اللحم في فكِّها وأوصلها زحفها إلى بيته، فقام بقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها، وأخبر أهله بما حصل، وراح الناس يتداولون القصة زمنًا طويلا، وذاع صيتها في كلّ مكان، وهم يرددون: "كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم"... أي كثرة التصدق بالطعام تدفع البلاء عن صاحبها. كما نقل أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم إن "في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام".