رئيس التحرير
عصام كامل

مسلسلات تخاطب الغرائز.. وتخاصم مشاكلنا الحقيقية!


كيف نصوم عن الحلال في نهار رمضان ثم نقع فريسة لمسلسلات وبرامج تخاطب الغرائز، وتنمي قيم الاستهلاك، وتخاصم الإنتاج والعمل؟!

ومن الأسف أننا نجد حتى القنوات الأرضية تنافس الفضائيات في إغراق المشاهدين بإعلانات مسبقة لما سوف تعرضه في رمضان من مسلسلات وأفلام جاوزت العشرات.. ولا أدري كيف سيجد المشاهد وقتًا وقدرة على متابعة هذا الكم الهائل من الأعمال.. والأهم ماذا قصد صانعوها.. هل أرادوا اقتناص كعكة الإعلانات أم إلهاء الناس والسيطرة على عقولهم وقلوبهم، وقتل أوقاتهم..؟!


وليت البعض من هذا الغثاء الهائل من المسلسلات والبرامج يغوص في مشاكلنا الحقيقية؛ ليشخص الداء، ويقدم الدواء بموضوعية انحيازًا لمصالح الوطن، لاسيما في قضايا مصيرية؛ كالتعليم والصحة وتجديد الخطاب الديني ومحاربة الإرهاب قبل مواجهته بالسلاح.. ليتنا نجد من يلخص للناس الأسباب الحقيقية لنكبة العرب والمسلمين في الوقت الراهن ويريهم بالدليل والبرهان مكان الداء والعلة، ويقوم بتنويرهم وتبصيرهم بواجباتهم، وما يحوطهم من مخاطر.. لكننا للأسف إزاء طوفان من الفوضى لا طائل منه إلا تغييب الوعي وتشويهه، وإبقاء العرب كالقشة العائمة على سطح الماء، تتقاذفها الأمواج من كل جانب.

وكم بُحت أصواتنا مناشدة للدولة في أعوام مضت بأن تتدخل في الإنتاج الدرامي بتقديم أعمال فنية هادفة، ولو كانت أعمالًا تاريخية تستلهم أعظم ما في حضارتنا العريقة لابتعاث الهمة واستعادة الوعي المفقود.. لكنها ذهبت أدراج الرياح فهل تدري الحكومة أن ترك الساحة للعشوائية ثمنه فادح.. وفادح جدًا؟!

أفكار مسلسلات رمضان وبرامجه باتت مكررة ممجوجة، غارقة في التفاهة والترويع والمغامرة والخيال المريض والسطحية والعنف والجنس والابتذال.. تتغير شخوص الممثلين والمذيعين ومقدمي البرامج ومنتجيها لكن الأفكار السطحية البالية هي هي.. الأمر الذي جرجر المجتمع وخصوصًا الأجيال الجديدة إلى مستنقع الجمود والضياع والتصورات المشوهة.

وللأسف تحول رمضان لساحة تتنافس فيها الدراما والبرامج على تسطيح وعي المشاهدين، وخدش الحياء العام ومجافاة روح الصيام وفلسفته الرامية لتكريس الصبر والتكافل والإمساك عن المحرمات.. فما أراد الله تجويعنا إلا لنعرف قيمة الطعام الذي نرمي به في سلال القمامة غير عابئين بمرارة حرمان الفقير.. شرع الله الصوم لنشعر بآلام الفقراء والمحرومين، لا لنتعالى عليهم، ونغمطهم حقوقهم المعلومة في الصدقات من غير مَنٍّ ولا أذى.. شرعه لنتعود البذل والإنفاق من أموالنا التي استخلفنا الله فيها ببناء المستشفيات والمدارس وإصلاح العشوائيات، وليس بإهدارها في ولائم باذخة، وفي تكرار الحج والعمرة أملًا في غفران الذنوب التي دأب البعض على ارتكابها طوال العام؛ ظنًا منهم بأن العمرة تمحوها، وينسى هؤلاء أن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، وأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

يا سادة.. الدين المعاملة.. وتغيير في السلوك نحو الأفضل.. فكيف تقبل العبادات وأصحابها لا يزالون على المعاصي، فهذا يتلقى رشوة..وذاك قاطع لرحمه، أو عاق لوالديه، أو يصر على الغش وإيذاء الآخرين..من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة الله..فكيف يصر بعضنا على ارتكاب الأخطاء وربما الخطايا والكبائر في سلوكه اليومي، ثم يتصور أن إنفاقه لبعض المال أو تكراره الحج والعمرة أو حتى الصوم يطهره من أوزاره بينما هو لا يزال قائمًا على ما يغضب الله..

إصلاح القلوب والأعمال والكف عن إيذاء الناس بأي صورة مقدمة لأزمة لتحقيق الاتساق مع الذات والخروج من الازدواجية والتدين الشكلي البعيد تمامًا عن مراد الله من الصيام وكل العبادات.. فهل نتخلص من هذا التناقض ونتسق مع أنفسنا؟!
الجريدة الرسمية