رئيس التحرير
عصام كامل

مهند جمال إنسان يكتب «رسالة إليك.. لن تقرأيها»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«عزيزتي.. أريد أن أخبرك أشياء كثيرة لا أعرف من أين أبدأ كعادتى..

فالبدايات متداخلة جدا شائكة جدا مملة جدا !!
وأنا أعرف جيدا أننى هذا الشخص الذي يبدو رائعا جدا من بعيد وما أن تقترب منه حتى تمل من كل هذا..

أعرف أنني ممل بحديثي وتفاصيلي وكلماتى وملامحي.. أعرف أنني سيئ بالنسبة إليك
من يريد بائسا ضعيفا محملا بوجع لا يقوى حتى على أن يحلم.. لا أحد.. خصوصا أنني هذا الذي لا يدعوك للبقاء
أعرف جيدا شكلي عيناي رأسي أعرف أنه لا يروق لك ولا يروق لاحد ولا يروق لي أيضا !!
أعرف حديثي وطريقتي أعرف أنها مملة وغير مشجعة ولا تدعو أحدا للاستماع !!
لكني أريد أن أتحدث اليوم لا لشيء فقط لأخبرك بأنني لا أستحق شيئًا ولأؤكد لنفسي أنني لا أستحق شيئا.. فالبائسون المعذبون والمهملون والمملون الذين يتمتعون بالضعف والوجع لا يستحقون شيئا.. فقط هم وقود جيد للقصص والروايات!!

نعم لم أحقق أي شيء.. لم أنجح أن أكون شيئا أريد.. لم أنجح حتى أن أفعل شيئا جيدا أتذكره دون وجع..
نعم لم أترك شيئا يبقيني عند أحد.. أنا منسي دوما.. وإذا غبت لا يذكروني إلا إذا رجعت !!
نعم أنا لا شيء حتى.. أتعرفين العدم.. أتعرفين السر المحتفظ به ميت.. أتعرفين الحائط الذي نادي بالأمل وانهدم.. من يعرف بماذا نادي.. من يهتم لشأن اللاشيء.. لا أحد يحب أن يكون مع الحثالة الخاسرة تلك.. التي أنا منها !!
من أنا ؟ سأخبرك.. تعرفين ذلك الطفل الذي يكون محط سخرية الجميع.. ذلك الذي يفعل الأشياء وحده.. ذلك الذي دوما أضحوكة
تعرفين هذا الممنوع من أن يخرج أو يتكلم.. هذا الذي ليس له أي مكان غير نفسه.. تعرفين هذا الذي لا يملك مالا ليعمل أي شيء!!

هذا الذي يجتمعون عليه ليضربوه فيقبل الضرب.. هذا الذي لا يتحدث إلا إذا أذنوا له ببعض الحديث.. هذا الذي قرأ كثيرا وكتب كثيرا وسمع كثيرا وشاهد كثيرا.. أكثر مما ينبغي.. وحرق كثيرا من أوجاعه وأنفاسه في اللاشيء الموجع، هذا الذي يعرف ويعرف ويعرف.. ويحتفظ بكل ما يعرف في حافظة رمادية.. يخاف أن يقربها أحد فيصاب بما إصابة !!

هذا الذي يحتفظ بالتفاصيل والصور والأحداث.. هذا الذي كان حدثا من الأحداث

هذا الذي.. لا شيء.. لا شيء على الإطلاق !!
هذا الذي فقد وفقد وفقد.. فقد رفاقا وأخوه.. أهلا وأحباب.. رجالا ونساء
هذا الذي يعرف الكثير جدا من الأشياء المزعجة.. لا أحد يسمع أشياءً مزعجة فلماذا يبقى !!
هذا الذي يعرف السجن جيدا.. ويعرف القتل جيدا.. ويعرف السكر جيدا..
هذا الذي حمل في قلبه الوطن والحب والسلام والأمل.. فوجد قلبه مثقوبا.. فنزف الوطن وسقط الحب وضاع السلام وذهب الأمل بلا عودة !!
هذا الذي يحمل في الأحداث وجع.. في الموسيقى وجع.. في الكلمات وجع.. في نفسه وجع فيغيب.. ليعود يحمل وجعا آخر.. وحده !!
هذا الذي وضع في نفسه أن يغير كل سيئ حوله.. فوجد نفسه سيئا جدا.. وضل طريقه وسط الزحام !!
حتى وإن كنتى تعرفين هذا.. لن تشعري به وإن شعرتي ستنسين.. لم أبق في ذاكرتك لتبقي كلمة لي..

لم أبق أبدا في أي مكان.. ولا يعرف أحدا عني شيئًا.. ولا يهتم أحد أن يعرف.. انظري.. إنهم يهتمون بالناجحين أو المخادعين.. يهتمون بالمضحكين حسنين المظهر واللسان.. يهتمون بما سيبقى لا بما سينتهي !!

إلى أين مضي بي كل هذا.. إلى الوجع والكره والكآبة والبؤس والتعفن والملل.. عيناي تفقد بريقا كان لامعا يوما ما فأرى تلك الألوان رمادية.. هذا الرمادي الذي يجعل كل شيء لا شيء.. شخت كما شاخ العالم.. مليء بالدمار والوجع والحكايات والثرثرات فاقد لكل ما قد كان ومحتويا على اندثاره في مكان ما.. مما يثير براكيني وزلازلي باستمرار.. مما يجعلني عاصفا ممطرا أسود !!

أشم اليوم رائحة ما أنتجت.. أشم رائحة الرماد فيّ.. أشم الطين الذي غطاني.. أشم الوجع الذي اعتلاني حتى شبت !!
أنا عجوز جدا اليوم.. مكبل بي.. لا راع ولا كفيل ولا حام ولا فعيل.. لا شيء أبدا مثلي أنا..
وما عليّ إلا انتظار المجهول الذي يحمل بؤسا وما يبقى لي إلا أن أنبش أرضا لقبري.. هذا فقط ما يبقى لي.. وإن وجدت لي شيئا بعد.. فأحرقيه.. فانقذي هذا العالم مني.. وانقذي نفسك أيضا.. فأنت تستحقين الأفضل ؟
سأغادر قريبا.. إلى آخر شيء لا أريده !!
الجريدة الرسمية