رئيس التحرير
عصام كامل

داخلية السيسي.. «الشيء وعكسه».. تجاوزات الأمناء تفسد بطولات التضحية في مواجهة الإرهاب.. والصدام مع النقابات المهنية بـ«العقلية الأمنية».. خبير أمني: الداخلية عصا في يد الحكومة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، وضع نصب عينيه الملف الأمني على رأس أولوياته، باعتباره ركيزة أساسية من ركائز استقرار البلاد، مما ينعكس على مناخ الاستثمار وجذب رجال الأعمال الأجانب والمصريين في الخارج لاستثمار أموالهم في مصر، وإقامة المشروعات الكبرى وتوفير عشرات الآلاف الفرص لشباب.


وبالرغم من التأكيدات المستمرة للرئيس في اجتماعاته مع وزير الداخلية وقيادات المجلس الأعلى للشرطة، وتصريحاته خلال بعض الاحتفاليات على أهمية العلاقة بين الأجهزة الأمنية وطوائف الشعب، إلا أن العامين الماضيين، شهدا سلسلة من المخالفات والتجاوزات التي أثارت غضب المواطنين.

بعد ثورة 25 يناير 2011، تعالت الأصوات المطالبة بإعادة هيكلة وزارة الداخلية.. بعدما مل المواطنون من الممارسات غير القانونية والانتهاكات والتعذيب التي كانوا يتعرضون لها داخل أقسام الشرطة.. لكن قيادات الوزارة لم يهتموا بأحاديث الهيكلة، واكتفوا بإحالة بعض الأفراد إلى محاكمات صورية، تنتهى عادة بالوقف عن العمل لفترات قليلة ثم العودة من جديد بعد هدوء الأوضاع.

مؤخرا عاد بعض رجال الشرطة بكل قوة ينتهكون كرامة وحريات المواطنين.. وأصبحت سجلات المحاكم تعج بالقضايا ضد رجال الشرطة لانتهاكاتهم بالقتل، والاتجار في المخدرات والرشاوى، وتزعم تشكيلات عصابية، واستيلاء على الأراضى والتزوير.... مئات القضايا منظورة أمام القضاء وسلطات التحقيق المختصة منها واقعة «دربكة بالدرب الأحمر»، و«بائع الرحاب»، بالإضافة إلى تعذيب المواطن طلعت شبيب حتى الموت بالأقصر... وغيرها.

الأمر لم يتوقف عند المواطنين بل امتد إلى مؤسسات المجتمع المدنى، وفى القلب منها «النقابات المهنية»، بعد أن اختلقت الداخلية أزمات مع النقابات من بينها الأطباء بعد اقتحام عدد من أمناء الشرطة مستشفى المطرية العام والتعدى على العاملين به، وسبقها قتل طبيب الإسماعيلية على أيدى ضابط شرطة... أعقبها أزمة مع نقابة المحامين بعد التعدى على المحامين داخل الأقسام والمحاكم من بينها واقعة قسم شرطة المرج، وسحل محام على أيدى ضابط لركن سيارته أمام القسم، وإطلاق أمين شرطة النيران على محام داخل محكمة مدينة نصر.. وغيرها من عشرات الوقائع... وصولًا إلى الأزمة الشهيرة مع نقابة الصحفيين.

ومن الممارسات والانتهاكات إلى ملفات الفساد داخل الوزارة، والتي تشمل رشاوى وتزوير وتلفيق قضايا لعشرات المواطنين الأبرياء... بعضها تم إحالته إلى النيابة العامة التي يبحث أصحابها عن حقوقهم، والبعض الآخر ما زال حبيس أدراج مكتب قطاع التفتيش والرقابة بالوزارة..

ولا يستطيع أحد أن ينكر التضحيات التي يقدمها رجال الشرطة في التصدى لكل الأخطار التي تحدق بالبلاد والتصدى للعناصر الإجرامية والإرهابية، بعد أن بلغ عدد الشهداء منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى 2016 ؛ قرابة 865 شهيدًا و18 ألف و450 مصابا، لكن تلك التضحيات التي يقدمها أبناء الجهاز الشرطى يوميا والتصدى لجريمه بكل أنواعها وحفظ الأمن تتآكل بسبب الممارسات الخاطئ لبعض أفرادها الذين يلطخون الثوب الأبيض، بنقاط سوداء...

علامات استفهام وتساؤلات عديدة حول طبيعة العلاقة بين الشرطة والمواطنين، وعادت بعض الأصوات المطالبة بإخراج مشروع إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتغير استراتيجيتها الأمنية في التعامل مع كافة طوائف الشعب... “فيتو” طرحت السؤال على الخبراء الأمنيين واستعرضت دراسات لوضع روشته لإصلاح المنظومة داخل وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها وإنهاء سطو الفاسدين وإعادة الصورة المثالية لرجل الشرطة التي ظهرت يوم 3 يوليو 2013.

وأوضحت الدراسة التي أعدها «المركز المصرى لدراسات السياسات العامة» أن الفترة السابقة شهدت اتحادًا للإرادات السياسية، على اختلاف الأنظمة، على عدم الرغبة في إصلاح جهاز الشرطة أو اتخاذ خطوات على طريق إصلاحه، الأمر الذي يهدد بتكرار مشاهد العنف والتعذيب وعدم الاستقرار الأمني.

وأشارت الدراسة إلى أن كثرة المهام الموكلة إليه تجعله غير قادر على تحقيق الهدف الرئيسى والمهمة المفترض به القيام بها في حفظ الأمن، نظرًا لانشغاله بالعديد من الأمور الأخرى والتي تمثل إثقالًا على كأهله، لذلك فإن إعادة الهيكلة الإدارية أمر لا غنى عنه ولن يتحقق إلا باتفاق الإرادة السياسية للمشرع والإرادة السياسية للسلطة التنفيذية، فتعديل المواد القانونية أو إصدار قوانين جديدة لن يؤتى ثماره إلا إذا كانت هناك برامج تنفيذية صادقة تلبى رغبة المشرع البرلماني.

وألمحت الدراسة إلى أن هناك العديد من القوانين التي يجب أن يشملها التعديل، سواء بالحذف أو الإضافة أو إصدار قوانين جديدة تضاف للمدونة التشريعية المصرية، من أجل إصلاح المنظومة الأمنية، لكن ذلك لن يتأتى إلا من خلال إرادة سياسية راغبة في إحداث هذه التغييرات.

وكشفت دراسة أعدها الدكتور محمد صلاح أبو رجب تحت مسمى “العلاقة بين الشرطة والمجتمع في إطار المتغيرات لمجتمعية” أن مشكلة جهاز الشرطة تكمن في أن العاملين به لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مهنيون يقومون بوظيفة لخدمة المجتمع، بل أصبحوا أداة في يد النظام السياسي الذي يتحكم في تعيينهم في المناصب العليا وفى تنقلاتهم ومكآفاتهم وجزاءاتهم لحماية النظام أساسًا.

وأشارت الدراسة، إلى أن أكثر قطاعين في الداخلية يمارسان سوء استغلال السلطات على المواطنين البحث الجنائى وقطاع الأمن الوطنى ـــ أمن الدولة سابقا ـــــ يتجلى سوء استغلال رجل الشرطة لسلطته في ارتكابه لجرائم التعذيب، وجرائم استعمال القسوة، والقبض على المواطنين وحبسهم دون وجه حق.

وكشفت الدراسة عن روشتة لإعادة هيكلية وزارة الداخلية، من خلال تفعيل أجهزة الرقابة الشرطية والقضائية على العمل الشرطى بوجه عام حتى يمكن مواجهة أي خروج عن القانون، وتعقب الفاسدين في أجهزة الشرطة، والمتورطين في الجرائم المتعلقة باستغلال الوظيفة وسوء معاملة الجمهور أو الأخطاء المسلكية، وضبطهم وتقديمهم للمحاكمة مع ضرورة توقيع أشد العقاب على من يثبت وقوعه في مثل هذه الأخطاء التي تظهر جهاز الشرطة بشكل سيئ أمام المواطنين.

وأوضحت دراسة أعدها اللواء صلاح حافظ تحت عنوان “المؤسسة الأمنية في مصر التحديات والإصلاح”، أنه لابد من بناء إطار قانونى ودستورى قوى يوضح مهام وصلاحيات القطاعات الأمنية والشرطية.. حشد الطاقات والامكانات الشرطية والأمنية، تحديد الفاعليين في منظومة الأمن والشرطة، دعم التوجه نحو مفهوم الشرطة المجتمعية.

وفى سياق متصل قال العميد محمود قطرى الخبير الأمن أن وزارة الداخلية تحتاج إلى الاقلاع عن التصرفات غير المدروسة لأنها تتعامل بمبدأ قلة الحيلة، فتلجأ لاساليب العنف، وأضاف:” الوزارة تحتاج إلى إعادة بناء بداية من أصغر مجند حتى أكبر ضابط بها وتغير فكرهم، نحتاج إلى قيادات أمنية مبدعة لتطوير الأدلاء الأمني والفكرى فىعلى سبيل المثال أزمة نقابة الصحفيين كان من المفترض التنسيق مع النقابة لدخول أو انتظار خروج المتهمين والقبض عليهم دون أزمات.
الجريدة الرسمية