رئيس التحرير
عصام كامل

الدخلاء هم سبب نكبة الإعلام !


واقعة شوبير-الطيب– الإبراشي كاشفة فوضى بعض منابر الإعلام، وقد ذكرتني بحكم قضائي صدر منذ سنوات بوقف أحد البرامج الرياضية التي يقدمها أحد الرياضيين السابقين بسبب خروجه على التقاليد والأعراف ومواثيق الشرف كافة.. أثلج هذا القرار صدري وصدور كثيرين.. فثمة إصلاح لخطأ بدا فادحًا، وتفاءلت به خيرًا؛ ظنًا بأن الحكم سيطال كل دخلاء الإعلام بشتى صوره، والذين سمحت ضمائرهم باقتناص فرص عمل لشباب تخرج لتوه في كليات الإعلام تحدوه آمال عريضة في العمل، وتحقيق الذات لكن دخلاء الإعلام لم يشبعوا بما حققوه من شهرة ومال فتكالبوا على الفضائيات والإذاعات، ناسين أن الأضواء قد تحرقهم إذا لم يكونوا أهلًا لها.


لقد تكبد خريجو الإعلام والصحافة العناء والمشقة في سبيل الحصول على مؤهل علمي، تعلموا خلاله أخلاقيات المهنة وقوانينها وتقاليدها وأدواتها، فضلًا عما حباهم به الله من موهبة وشغف بالمهنة وقدرة على التعامل مع سلاح ذي حدين؛ رغبة في تطويعه لخدمة المجتمع، والذود عنه قيمة والمستضعفين في المجتمع بمحتوى إعلامي عصري هادف، يلمس أوتار القلوب، ويحقق المتعة والمنفعة للمتلقين.. لكنهم بعد طول عناء وجدوا أماكنهم في الفضائيات والصحف والمواقع، وقد ذهبت لمن لم يدرس التخصص العلمي، ولا يملك الموهبة، لكنه تمكن بفضل علاقاته الواسعة أن يقفز على تلك المنابر، تاركًا هؤلاء الخريجين على رصيف البطالة والإحباط..

دخلاء الإعلام هم أحد أهم أسباب ما نراه على الفضائيات من انحدار وانحطاط ونميمة وفتن.. جعلوا الإعلام باحثًا عن الفضائح، ناشرًا للسلبيات والخلافات، مؤججًا للصراعات وخلافات المشاهير التي لا تهم أحدًا، والإثارة السلبية التي تنافي الأخلاق.

غاب ضمير الإعلام عندما غُيب أهله المؤهلون لرسالته.. غاب الفكر الهادف، وظهرت الرداءة وضعف القدرة على المعالجة الإعلامية الموضوعية للقضايا المصيرية بطريقة ملائمة وجذابة وفعالة.

علينا الاعتراف بأن الإعلام علم لا فهلوة، وصناعة من أخطر ما يكون؛ لاتصالها ببناء العقول والوعي والرأي العام، والأهم أنه جزء من منظومة فكرية وثقافية وفنية، تعكس وضع الدولة، والمستوى الثقافي والفكري والأخلاقي لشعبها.

وأتعجب كيف لا يُسمح لكائن من كان بأن يمارس مهنة الطب أو الهندسة، أو المحاماة من غير الحاصلين على مؤهلها العلمي المطلوب.. بل إن نقابة المحامين -وهي بالقطع نقابة عريقة- ترفض الاعتراف بشهادة التعليم المفتوح في مجال الحقوق، وتتدخل نقابة الأطباء لتحديد الأعداد المطلوبة لكليات الطب من خريجي الثانوية العامة، وهذا ما لا يتأتى لنقابة الصحفيين مثلًا، وكان المنطق يقتضي أن يمنع أي شخص غير مؤهل علميًا ومهنيًا وأخلاقيًا من امتهان الإعلام والصحافة؛ فالمنابر الإعلامية لا تقل خطورتها عن مشارط الجراحين، ولا دفوع المحامين، فهي يمكن أن تقتل أو تصيب بريئًا في سمعته، وتغتاله في غيبة القيم الأخلاقية الحاكمة، ويمكن لو أسيء توظيفها أن تغتال عقل الشعب ووعيه ومستقبله إذا انخرط فيها من لا يحسن فهمها، أو لا يملك أدواتها، أو يتقن الأداء الإعلامي، أو فقد ضميره.

ما أحوج الإعلام لمعايير تحميه، ومواثيق شرف ترقى بأخلاق بعض العاملين فيه ممن أساءوا إليه، وتصون حقوق خريجي الإعلام، وتؤمن لهم فرص العمل والحياة الكريمة لتعود للمهنة كرامتها ومصداقيتها.

ويبقى أخيرًا أن نذكّر بأن حياد الإعلام يعني البعد عن تلفيق الأخبار، أو تحويل الشائعات الكاذبة لمادة حوار أو ردح سوقي لا علاقة له بالمهنية التي غابت عن كثير من وسائل إعلامنا للأسف.. مصر في حاجة لمجلس وطني للإعلام، يعيد صياغة قواعد المهنة وفق معايير دولية وأخلاقية ملائمة.. فإلى متى ننتظر مثل هذا المجلس ؟!
الجريدة الرسمية