رئيس التحرير
عصام كامل

المعتدي الخفي على سيدة المنيا!


بينما كانت الهيئة القبطية الإنجيلية تستعد لإقامة حفل افتتاح السفينة التي أهدتها لها القوات المسلحة، بدلاً من سفينتها «الذهبية» التي حرقها المتطرفون والإرهابيون بعد ٣٠ يونيو، وقعت تلك الحادثة المخجلة التي آلمت كل وطني مستنير غيور على وطنه، وحريص على أن يكون هذا الوطن للجميع، بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والانتماء الديني والاجتماعي والعرقي والجغرافي.


وبغض النظر عن تفاصيل تلك الحادثة الشنيعة التي يحاول البعض عمدًا أو عن غفلة، إغراقنا فيها، خاصة ما يتعلق بملابسات الحادث، وتأخر السيدة المسنة التي تم الاعتداء عليها في الإبلاغ عما تعرضت له، فإن هذه الحادثة تنطق بحقيقة مخزية وصادمة لبعض الواهمين، وهي حقيقة أن التطرف الديني متجذر في نفوس كثيرة، والتسامح مفقود، والمواطنة غائبة في أرجاء متعددة من مجتمعنا.

بعض مؤسسات الدولة تسير على هدى المواطنة والمساواة والتعايش المشترك، بينما هناك كثير من الأفراد يتصرفون عكس ذلك وعلى النقيض منه، ودون الاستغراق في التفاصيل فإن حادث الاعتداء على سيدة المنيا وتعريتها لم يرتكبه شخص أو عدد محدود من الأشخاص، وإنما اشترك فيه عشرات من المواطنين، أي كان اعتداء جماعيًا، وهذا يذكرنا بتلك الاعتداءات الجماعية التي شارك فيها جموع على منشآت وضباط شرطة في كرداسة وقتل رجل شيعي بعد تعذيبه.

هذه هي المشكلة الحقيقية التي جاء حادث الاعتداء على سيدة المنيا كاشفًا لها، التطرف الديني والتعصب المجتمعي، متجذر في نفوس قطاعات مختلفة في المجتمع، وهذا التطرف والتعصب هو الذي يحرك الجموع لارتكاب مثل هذه الجرائم.

لذلك بدلاً من أن تبدد بعض الجهات والهيئات الحكومية والدينية والشرطية جهودها في إتمام مصالحات عرفية لا جدوى منها، وسوف يتم خرق اتفاقاتها مستقبلاً، عليها أن تشارك في نزع التطرف من النفوس أو اقتلاعه من جذوره، وإلا سوف نواجه مزيدًا من هذه الحوادث الجماعية البشعة، والتي كانت حوادث التحرش الجماعي من الصبية في الأعياد للفتيات والسيدات، إنذارًا مبكرًا لنا لم نستوعبه.

يا سادة.. على مدى عدة عقود لم يعد التسامح موجودًا في مجتمعنا، بسبب هذا التطرف والتعصب الديني الذي فرض سطوته علينا، والذي أخرج لنا وحوشًا آدمية انطلقت تقتل وتدمر وتخرب وتحرق.. فكيف نندهش إذن من قيام عشرات من المواطنين بالاعتداء على سيدة مسنة وتعريتها بهذا الشكل المتعمد والرامي لإشعارها بالذل؟ أليس هذا قتلاً معنويًا لا يختلف عن القتل المادي؟ فكيف يهوّن البعض من هذا الحادث؟

جيد أن الشرطة وجهات التحقيق تسعيان الآن لتطبيق القانون، لمحاسبة كل من تورط في هذا الحادث البشع، لكن ذلك لا يكفي ولن يحمينا من تكراره، نحن نحتاج خوض حرب ضارية ضد التطرف والتعصب في مجتمعنا، كل أشكال وألوان التطرف والتعصب، وليس الديني فقط، حماية لأنفسنا.
الجريدة الرسمية