رئيس التحرير
عصام كامل

نظرة تجريدية لحادث امرأة المنيا.. النتائج السياسية


حادث همجي قد يمر كغيره من الأحداث في دولة ضخمة كمصر، ولن أناقش صحة أو خطأ ما نشرته وسائل الإعلام لأن التحقيقات ستظهر الحقائق وافيــة ولن أتعامل مع الأمور بالعاطفة؛ لأن تحليــل النتائج وأثرها أهم بكثير من أي مناقشات جدلية... سواء كان هناك من يخطط لهدم الوطن أو أن الحادثة عشوائيــة ناتجة عن سوء إدارة.


عمومًا فيجب أن يدرك الجميع أن بقاء هذا الوطن أهم من الانفعالات الدينية، ولكن هناك من يعبث بمقدرات الوطن سواء عن قصد أو دون ويجب أن يحاسب من تخطيى حدوده فيما يخص الأمن القومي.

أولا: عندما نقيم مدى شفافية تصريحات أسقف المنيا فلا ننسى أنه صمت عند حرق أكثر من عشرين كنيسة بدافع وطني وقت ثورة يونيو وهو من طالب بتطبيق القانون عند إهانة شرف السيدة المسنة، وعلى الجانب الآخر فإن التنفيذيين يدعون للصلح العرفي، فهذا مؤشر خطر نحو تلاحم الشعب المصري خلف مؤسسات الدولة، حيث إن العاطفة الدينية لدى المسلمين والأقباط أمام هذه الجريمة لم تستوعبها الروح الوطنية، وبدأ مسلسل التصنيف المجتمعي يعود للمشهد إجمالا بعد غياب طويل لصالح من يدعم هدم الدولة، وهذا يمثل ناقوس خطر.

ثانيا: عندما يكون توجه محافظ ومدير أمن المنيا ثم عمدة القرية نكران الحادث والتهرب من مواجهته بدعوى الوطنية ثم يتدخل الرئيس شخصيًا لعدم وجود قيادة محلية حكيمة ويعطي الجميع درسًا في الوطنية، فهذا يدل على عدم وجود معايير لمصطلح الوطنية في عكس اتجاهه وعدم وجود إدراك لإدارة الأزمات فهذا ناقوس خطر.

ثالثا: عندما يكون تحرك أعضاء البرلمان نحو الضغط المتواصل لعقد جلسات عرفية رغم أن دور البرلمان تشريعي رقابي وليس دعم الجلسات العرفية المضادة لسيادة الدولة والقانون، ومع العلم أن نائب الدائرة حصد أصوات الأقباط كاملة ويمثل حزبًا ليبراليًا متصدرًا للبرلمان... ثم تهديد وفد النواب "الأسقف" بعد رفضه مقابلتهم وكأنهم سلطة فوق الدستور والقانون، فهذا يدل على عدم قدرة البرلمان على استيعاب دوره الدستوري في تأكيد سيادة الدولة وكرامة المرأة المصرية بل إنه أسهم في زيادة الشرخ المجتمعي وهذا ناقوس خطر.

رابعًا: عندما تصدر تصريحات لنائب سلفي أن الحادث رد فعل طبيعي فهنا نجد أن قوى الإسلام السياسي تعود للمشهد مستغلة الفراغ السياسي الذي خلفته الأحزاب لتصدر مشهدًا ما لصالحها وكأنها تريد أن تؤكد أهميتها في السيطرة على الرعاع والمتطرفين، على الجانب الآخر نجد اليوم السلفيين هم من يدعون لتجديد الخطاب الديني بمنطقهم الأصولي وليس حسب الرؤية الوسطية.

خامسًا: عندما تخرج دعوات من بيت العيلة ( المكون من الأزهر والكنيسة ) للحل العرفي رغم أن ما حدث يمثل تقصيرًا منهم في تجديد الخطاب الديني ودعم التعايش والمواطنة في الجامع والكنيسة والمدرسة والشارع على مدى سنوات مضت مع تركيزهم على الصور التذكارية والقبلات ولم نجد منهم موقفًا يحتوي أزمة تعرية المرأة رغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه عدة مرات خطابه لتجديد الخطاب الديني في الأزهر والكنيسة فهذا ناقوس خطر.

سادسًا: عندما يداعب دعاة هدم الدولة العاطفة الدينية للأقباط وخاصة الشباب القبطي ونجد "هاشتاجًا" بعنوان "مصر اتعرت" ينتشر كالنار في الهشيم فهذا ناقوس خطر

سابعًا: عندما ينشر الإعلام ودعاة هدم الدولة ما يثير مخاوف المرأة المصرية ثم الأقباط بوجود "داعش" في أزقة وحواري مصر ليهددوا السلام المجتمعي ولينكلوا بشرف المرأة والأقباط وهم من أهم الكتل الصلبة في ثورة يونيو فهذا ناقوس خطر.

ثامنًا: عندما يكون سبب الحادث شائعة لم يتم احتواؤها أو تعقبها أو التحقيق القانوني فيها وأدت لأزمة مجتمعية طائفية كبرى فهذا ناقوس خطر.

تاسعًا: عندما تكون شبكات التواصل الاجتماعي لها القدرة على نشر الأخبار الصحيحة أو الكاذبة مع اعتماد الدولة على الصحافة المطبوعة وعدم قدرتها على التفاعل على الإعلام الإلكتروني في إدارة الأزمات فهذا ناقوس خطر.

عاشرًا: عندما تكون المنيا هي منبع إرهاب التسعينيات واليوم على حدودنا الشرقية والغربية "داعش" ثم على الجنوبية "إخوان"، ولن ننسى حادث رفع علم داعش في حلوان منذ أيام في حادثة إرهابية في مسلسل متوالٍ للاستنزاف الأمني وكسر الروح المعنوية بلا وجود مبادرات مجتمعية من خلال الأحزاب والمجتمع المدني ودور العبادة لمواجهة الأفكار المتطرفه فهذا ناقوس خطر.

وأيًا كانت حقائق الحادثة فإن أخطر ما فيها أنها وجهت رسالة محبطة للمرأة التي دعمت الرئيس ثم الأقباط الذين اعتبروه المنقذ لهم من الفاشية الدينية ثم المؤمنين بسيادة دولة القانون وتصدير صورة سوء إدارة الأزمات لصالح من يريد كسر الروح المعنوية الوطنية وتفكيك الكتلة المساندة للرئيس السيسي بكل احترافية.
الجريدة الرسمية