مصر.. بتتعرى!
لم يعد هناك لباس يستر عورات الوطن، بعد أن تجمهر جهلته وبلطجيته وسحرة فرعون لخلع ورقة التوت وتقديم استعراض يتم فيه خلع الحياء والقيم والضمير، قطعة قطعة في وصلة مقززة، استخدمت فيها كل الأسلحة من قذف المحصنات والتحرش بالرجال قبل النساء، وإهالة التراب على النخوة والسمعة والشرف.
من المؤكدة أن سيدة المنيا، أمنا وتاج رأسنا، التي تم تجريدها من ملابسها لم تكن سوى اللحظة الفارقة العبثية الواقعية التي كشفت لنا مدى الانحطاط والدونية والتشفي فيما لا يجوز أو يقبله الإنسان السوي، بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الديانة، فرغم أنها ليست البداية التي وصلت بنا لهذا المنعطف الآثم، إلا أنها أكدت أننا أمام نتيجة طبيعية لسيناريو خلع الإنسانية من قلوب شعب بعد انتزاع بكارة روحه، واستخدام مساحيق الكذب والوطنية بهدف التضليل.
وإذا كانت الحكاية قد بدأت يوم أن تكشف سيناريو سرطنة هذا الشعب بدم بارد عبر مبيدات زراعية ومياه عطنة قال عنها مسئول كبير مؤخرًا إنها سيتم استخدامها للشرب ليزداد الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي، ورغم ذلك خرج المسئولون عن تدمير خلايا الناس في مهرجان للبراءة، فقد استمر بالتوازي مهرجان العري الجماعي حين ظهرت لهجة التشفي في الموت أو حتى المرض.
أذكر أنها شاعت في أعقاب حادث قتل جماعي معروف.. وسمعنا وقتها من يقول أحسن.. يستاهلوا.. وبعدها كتب أحد الصحفيين مطالبًا بقتل المزيد مقابل أن يعيش الباقي.. في تلك اللحظة أدركت أن الهاوية قادمة لا محالة.. فحين يصل الخلاف السياسي لطلب التطهير العرقي على الطريقة الصربية أو حتى النازية، فنحن إزاء كارثة تتوغل وطابور مرعب يطالبنا بالتخلي عن آخر ما تبقي لنا من إنسانيتنا، فحين يدهس إنسان بطريق الخطأ (هرة) بسيارته في الطريق ربما يودع النوم مقلتيه لعدة ليال، فما بالك بقتل العشرات.. ما هذا النوع النادر من الوطنية التي تطالب بسحق المعارضين واغتصابهم في السجون؟ وأي درك وصلنا له بدعاوى من هذا النوع التصفوي الذي يعبئ للحرب الأهلية!
التسلسل الطبيعي بعد ذلك كان في خلع برقع الحياء.. البلطجية يرفعون الاعلام وينشدون تحيا مصر وهم يقتحمون نقابة الصحفيين أو وهم يختطفون المعارضين في عز الظهر، والراقصات والحفاة العراة يلفون أجسادهم بعلم الوطن بعد أن تعروا من كل القيم وراحوا يواجهون المخالفين على طريقة حبيب العادلي حين كانت مظاهرات (كفاية) تخرج، فيخرج بلطجية الداخلية ليرفعوا لافتات (مش كفاية).. الأساليب نفسها والطريقة نفسها.. المهم ألا يظهر صوت معارض.. وذات مرة اختطفوا أحد الصحفيين وخلعوا ملابسه ورموه في الصحراء.. فنزع الملابس والتجريس والتسريبات الجنسية هي أسلحة الردع السياسي للدولة في مثل هذه الأمور.
ثم ألا تذكرون حكاية الراهب المشلوح التي استخدمت فيها الدولة أحد الأذرع الإعلامية لعمل فضيحة طائفية بهدف كسر شوكة البعض منذ سنوات طويلة؟ وقتها خرجت علينا جريدة صفراء بصور لبث الفضيحة التي اعتمدت على العري وخلع الملابس.. وكل التسريبات التي تعتمد على التنكيل بمن يتجرأ على الناموس الأمني، استخدمت أساليب الفضيحة الجنسية نفسها، بما فيها تسريبات أحد المذيعين لإبعاده مؤخرًا.. فلماذا نستكثر على الناس أن يستخدموا أساليب الدولة الرائدة في الاغتيال المعنوي.
ما فعله المرضى المنحطون في سيدة المنيا وأمنا وتاج رأسنا من امتهان، هو النتاج الطبيعي لدولة أشاعت الفوضى الجنسية والتحرش والتلذذ لدى العامة بالتشفي في الضعيف (قتيلاً أو عاريًا).. نحن نحصد ثقافة الدعوة للتعري وبرامج التوك شو التي تحض على الانتقام والإقصاء وسفك دماء المعارضين، وسيدة المنيا واحدة من ضحايا فعل الدولة الفاحش العلني طول الوقت.
فمن يخرج في مظاهرة يدفع 100 ألف جنيه حتى يتجنب السجن، لكن من أهانوا أمًا مصرية بتجريدها من ملابسها دون أدنى شفقة أو حياء، ربما يخرجون بضمان 100 جنيه.. كارثة أخرى ناجمة عن تراجع العدالة وخلط الأوراق في وطن يخلع ملابسه كلما وجد نفسه في مزنق سياسي على الطريقة المسرحية الشهيرة (كل ما تتزنق اقلع).. فقد غطى حادث المنيا على كارثة الطائرة التي سقطت، وعلى تيران وصنافير، وعلى تدشين اتفاقات تجري على قدم وساق بين مصر وإسرائيل يعلم الله خلفياتها، وعلى فوضى أمنية مذهلة في الشارع المصري الذي أصبح مستباحًا بلا محافظين أو مرور أو أي شيء، في شبه دولة تتداعى أركانها، بينما يلجأ خزنتها لسيناريو القلع.. كلما اتزنقوا!!