رئيس التحرير
عصام كامل

هند والدكتور أيمن


أقر أنا الموقع أعلاه... صاحب هذه الصورة التي أشهر فيها أصبعى.. أننى وكل العاملين في برامج التوك شو.. سقطنا فريسة بين مخالب نشطاء هذا الزمن، راضين راضخين مهللين، ومن يستثنى نفسه فهذا أصبعى المشهر أضعه أينما شئت. فمنذ بداية فبراير 2011 سعى أغلب العاملين في الصحافة أن ينجو بأنفسهم من القوائم السوداء والهتاف المتواصل ضدهم. فتحنا أبواب القنوات لكل من يكتب قائمة أو يرفع صورة مذيع أو مالك قناة في الميدان، وإخترعنا لهم توصيف "النشطاء" ليكون لدينا مبرر لاستضافتهم، يحددون الوقت الذي يظهرون فيه على الشاشة ولا ينتهى البرنامج إلا بانتهاء كلامهم، والويل لمن يحاول أن يسأل أحدهم.


هو حضرتك شغال إيه أساسا؟! ترك بعضهم الميدان وسكن بجوار مدينة الإنتاج الإعلامي، ليكون قريبا من الاستديوهات، ورأيت عددا منهم يحمل حقيبة ملابسه في سيارته، حتى لا يضطر للظهور بنفس الملابس إذا انتقل إلى قناة أخرى، وأغلب هؤلاء من الذين درسوا وتدربوا في الخارج. كبرت أحلام النشطاء بفضل تضاؤلنا أمامهم وتنافسنا عليهم، فوضعوا قائمة أسعار مقابل استضافتهم والغلبة لمن يدفع، وطبعا كثيرون كانوا يدفعون. تضخم بعضهم فأبى إلا أن يكون مذيعا، حتى لو كانت مؤهلاته الإعدادية ومقهى يجلس فيه بوسط البلد، أو يعمل فيه، ورأيناهم مذيعين على الشاشة.

هند.. كنت أعرفها منذ سنوات سبقت زمن النشطاء، زج بها أحد الأصدقاء كمتدربة في مؤسسة الأهرام، وفجاة اختفت هند لأراها في قنوات "بير السلم" تصرخ: يالا..هوبا..مين هيتصل؟ مين هيقول الفرق بين الصورتين؟ مين هياخد الجايزة؟ ومصادفة.. التقيتها في مدينة الإنتاج الإعلامي، وقد تغير صوتها بفعل الصراخ و"أشياء أخرى" لتؤكد لى أنها لم تجد سوى هذه الفرصة..

وأنها تعانى من آلام في ساقيها، لأن صاحب القناة يجبرها على الوقوف أمام الكاميرا 12 ساعة يوميا، عادت هند لتختفى اختفاءة طويلة، ثم فاجأتنى بالظهور كمذيعة بعد مارس 2011، شاهدتها تحاور الدكتور أيمن نور الذي تعلمت منه الكثير، هكذا أكدت أثناء الحوار، وجلست مندهشا أمام الشاشة، لا لأنى عثرت على هند، ولكن لسؤال جال في خاطرى: إيه جمع الشامى على المغربى؟! ومنذ متى كان أيمن نور معلما لهند؟!

يئست من عدم رد هند على اتصالاتى، ثم جاءت الصدفة مرة أخرى لتلعب دورها، التقيت هند في مدينة الإنتاج مع مجموعة أعرف بعضها، خصصتها بالتحية، فبادرت: أنا مش هند!! اعتقدت أنها تمزح، إنت غيرتى اسمك ولا إيه ؟! فوجدت من حولها يؤكدون لى إنها ليست هند، اسمها إنجى. الناشطة السياسية، أقسمت لهم أنها هند، وطالما جمعتنا لقاءات، وأثناء حديثى انصرفت هند سريعا دون تعقيب، لأراها بعد ذلك متحدثة في البرامج إلى جانب عملها كمذيعة، كل ضيوفها على شاكلة أيمن نور.

هدأت عاصفة النشطاء بعد ثورة يونيو، وبدأ أغلبهم يختفى من الشاشة ضيوفا ومذيعين، لألتقى هند مؤخرا: إزيك ياهند.. فترد التحية بابتسامة العائد من رحلة عمل في الخليج استمرت ثلاث سنوات، سيارة وفيلا وما خفى كان أكثر.

صنعنا نحن القائمون على برامج التوك شو هند وزملاءها من النشطاء، وها هي هند قد عادت من رحلة النشاط بفيلا وسيارة، لكن كثيرا من زملائها استمروا في اللعبة ورفضوا العودة، بعضهم في الداخل.. تسلل إلى بعض المؤسسات، والبعض الآخر هرب إلى الخارج بعد أن جفت مصادر التمويل.

يطلون من نوافذ إعلامية مشبوهة، يتاجرون بأسرهم، ويشمتون في أهلهم ويبيعون وطنهم، هؤلاء صنيعتنا.. فلا نلومن إلا أنفسنا.
الجريدة الرسمية