الأمانة وارتفاع الأسعار في الأسواق
لا شك أن الأعمال التجارية تبنى على الأمانة والقيم الخاصة بالبيع والشراء، وأود هنا أن أناقش غياب هذه الأمانة في ظل ارتفاع الأسعار.
لا تتم عمليات البيع والشراء نقدًا في كل دول العالم، حيث تتوزع على أقساط يقوم فيها المشترى بدفع ثمن البضاعة للبائع، ويعتبر ذلك نوعًا من التسهيلات التي يقدمها البائع إلى المشترى ليساعده في توزيع البضاعة، وإرسال المقابل إليه بعد فترة من الزمن.
وإن لم يكن هناك ضمانات لقيم الأمانة في البيع والشراء يتحول البيع الأجل إلى البيع النقدي وبهذا لا تتم صفقات كثيرة، إذ يفضل البائع أن يستلم المقابل في الحال، وهو ما لا يتوفر مع الكثيرين من المشترين، ولذلك ينخفض عرض السلع بالأسواق وترتفع الأسعار ولا يكون للمشترى الفرصة لترويج منتجاته وتوزيعها للمستهلك النهائي أيضًا، لأن المطلوب من المستهلك النهائي الدفع نقدًا وهذا يسهم بقدر كبير في ارتفاع الأسعار الذي يمكن تفاديه مع وجود عنصر الأمانة والالتزام.
الأمانة المفترضة بين الناس هي التي تصنع الثقة بينهم وعليه فكان التجار في الماضي تحكمهم الكلمة دون مستندات وكانت قدسية هذه الكلمة لا تصل إلى المحاكم لعدم وجود دليل غالبًا وإنما يتم حل أي مشكله عرفيًا وتبقى الكلمة هي الثروة الحقيقية للتاجر التي إن فقدها حكم عليه بالطرد الأبدي من السوق نظرًا لعدم استحقاقه شرف أن يكون تاجرًا هذا ما كان للأسف في الماضي.
الآن الوضع مختلف، فالأمانة أصبحت مرهونة بالمصالح، وإن لم توجد مصالح مستقبلية فإن الأمانة قد تنتهى عند البعض ويتم إهمال حقوق الناس إلى أجل غير مسمى ومع مرور الزمن إما أن يرضى الدائن أن يسترد جزءًا من حقه أفضل أن يترك حقه كله وبهذا تتحقق الخسائر التي يتعلم منها التجار ألا يدخلون في البيع الأجل مرة أخرى ويصممون على التعامل النقدي الذي يحول السوق إلى سوق بدائية لا تعطى للاقتصاد حرية الحركة بالقدر الذي تمارسه الدول التي تتمتع بالمعاملات الآجلة.
المعيار هنا لا يتوقف عند الأمانة فقط وإنما على سرعة استرداد الحقوق دون تأخير، فالمدين عندما يعرف أن هناك فترات تقاضٍ قد تصل إلى عشرات السنين مع الطعن بالتزوير تارة ومع التأجيل تارة ومع إجراءات التقاضي تارة أخرى وفى النهاية يتم دفع قيمة الشيكات المستحقة عليه وقتما لا يصبح للمال قيمة وينتهى الموضوع.
إننا أمام أمانة مفقودة وإجراءات تقاضٍ جعلت التجار في الأسواق يلجئون إلى البيع النقدي الذي على إثره ارتفعت الأسعار وقل مع ذلك العرض مما رفع الأسعار بسبب غير مبرر وأسهم في هذا الارتفاع خروج التجار من البيع الآجل، نظرًا لاحتمال ضياع الحقوق في المحاكم.