رئيس التحرير
عصام كامل

العلبة دي.. فيها إيه؟


في أحد اللقاءات التي استدعيت لها لإجراء مقابلة مع أحد المسئولين عن صنع واتخاذ القرار في إحدى المؤسسات الحكومية، تذكرت المشهد الشهيــر للفنان الراحل توفيق الدقن عندما كان يسأل الفنان الراحل عبد المنعم إبراهيم في فيلم (طاقية الإخفاء) قائلا له: العلبة دي فيها إيه ؟ كنوع من الترهيب والاستخفاف وإثبات الضعف، وقتها استشعرت حالة الصراع الخفي بين جيل الشباب والشيوخ، ورأيت بعضًا من أسباب حالة البيروقراطية والروتين والتأخر في اتخاذ القرارات العاجلة، والتي تسبب ضياع الكثير من الوقت والجهد والمال على دولتنا النامية، وتصدر حالة الإحباط والشعور باليأس لدى قطاع كبير من الشباب والمواطنين المتعاملين مع مثل هذه المؤسسات الحكومية.


كان اللقاء يهدف لاختيار فريق عمل لتطوير إحدى إدارات المؤسسة، من خلال الاستماع لرؤيتنا لحل مشكلة تواجه تلك الإدارة، المضحك في الأمر والذي ذكرني بمشهد الفيلم العربي (طاقية الإخفاء)، أن أغلب المدعوين لسماع وجه نظرهم أو رؤيتهم في حل المشكلة وأنا واحد منهم لم يكن لدينا علم عن هذه المشكلة من الأصل، فقد استُدعينا لنخبرهم عما هو داخل العلبة المغلقة التي لا يعلم ما بداخلها سوى صاحبها.. كما في الفيلم تماما.. واللي يخمن ما هو بداخل العلبة ويجاوب صح هو اللي يمكن يكون من ضمن فريق العمل المنوط به عملية التطوير.. منطق غريب في اختيار الكفاءات!!

جلس المسئول بكل ود وترحاب يستمع للمدعوين واحدًا تلو الآخر في لقاء استمر أكثر من أربع ساعات أخرى، يحاول كل واحد منا أن يخمن ما بداخل العلبة، وأن يبرز قدرته ورؤيته في تطوير منظومة تلك الإدارة نظريًا من خلال تخصصه الذي ينتمي إليه في مجال دراسته بالرغم من عدم علمه عن حيثيات الأمر وما هو مطلوب بالضبط، وانتهت المقابلة كما بدأت ولم نعلم شيئًا عن أي شيء كالعادة.

تلك آفة الإدارة في مصر.. هي مجرد صراع خفي ومعلن في نفس الوقت وغير متكافئ بين شيوخ المناصب ومحتكريها، فهؤلاء مسلحون بمهاراتهم وخبراتهم التي اكتسبوها بمرور الزمن في مراحل حياتهم العملية، ضد الشباب المسكين الأعزل المؤهل نظريًا فقط دون أن توفر له فرص حقيقية ليتأهل عمليًا، دون أدنى شعور بأن عليهم تبادل الخبرات وإفساح المجال للشباب لأن يثبت ذاته ويأخذ الفرصة كاملة كما أخذوها من قبل.

وحتى يلعب الزمن لعبته في زحزحة هؤلاء القابعين على أكثر من منصب من مناصب القيادة في المؤسسات الحكومية المختلفة، سيكون نفس الزمن يلعب لعبته مع الشباب المتأهب الآن لخدمة وطنه بكل صدق وقوة وتوهج، وتستمر أحداث مسلسل: إهدار حق الشباب في التمكين.. من جيل لجيل ولا عزاء للوطن والمواطنين الذين يحلمون بواقع أفضل.
الجريدة الرسمية