رئيس التحرير
عصام كامل

"فيتو" تكشف في تحقيق استقصائي: وثائق الحكومة تحت سيطرة الأجانب.. عمالة خاصة للفرز بمحجر الوفاء والأمل لبيع الورق بدلا من إعدامه.. وتجار الورق: الأجانب الأكثر شراءً لأوراق مجمع التحرير

فيتو

لم يهتم «أهل كايرو» يومًا بالكنوز المتراكمة في مخلفات مكاتب وزاراتهم ومحافظتهم، حتى وإن كان بعضها يمس أمنهم القومي، لكن تلك «القمامة» وجدت من يقدرها ويستخرج من بين سطورها معلومات تحمل خاتم «سري للغاية».


وفي مصر جرت العادة على «إعطاء العيش لغير خبازه» فصار طبيعيًا أن يتم ضخ الأوراق الرسمية الخاصة بالجهاز الإداري المترهل بمجمع التحرير ومصالح حكومية في أكياس قمامة يشتريها تجار الورق، ليعاد بيعها إلى محال «الفول والفلافل» بل ولا مانع من تسليمها إلى من يدفع أكثر «حتى لو كان أجنبيًا».

قبل منتصف الليل بقليل، تحضر سيارات نقل عليها لوحات حكومية لتحمل نفايات مجمع التحرير بأوراقه ومستنداته وقمامته، وتتوجه بها إلى محجر الوفاء والأمل بمحافظة القاهرة، ليتم إعدامها، لكن ما يحدث غير ذلك، فمستندات ملايين المصريين والتي تمس الأمن القومي للوطن لا يتم دفنها أو التخلص منها بل يعاد بيعها مقابل مئات الجنيهات للطن.

الكارثة الآن أن من بين الأوراق والمستندات المباعة دعاوى قضائية ضد المؤسسة الحكومية، ومنها على سبيل المثال دعاوى قضائية مقامة من البنك الأهلي ضد وزير االعدل، ثم صارت الفضيحة على الملأ مع وصول مستندات خطيرة مرتبطة بوزارة المالية وعدد من البنوك الحكومية والأندية الرياضية إلى محل فول وفلافل بمنطقة حدائق حلوان.

بعد فحص المستندات تبين وجود أرقام دعاوى قضايا أخرى مرتبطة بجهات حكومية، وبسؤال (عم مصطفى - صاحب المحل)، قال إنه يشتريها من تاجر يورد الأوراق لمنطقة حلوان بالكامل، ويُدعى (الحاج جمال. ا) بـ800 جنيه للطن، ولا يعلم من أن يأتي بهذه الأوراق، مضيفًا: «أنا بشتريها منه لأنه بيجيب ورق نظيف».

بدأت حبات عقد الكارثة تنفرط واحدة تلو الأخرى، وبمكالمة للحاج (جمال. ا) بحجة وجود رغبة في شراء كميات كبيرة من الورق لإعادة تدويرها، فقال لنا: «لو هاتشتروا أكتر من 10 طن السعر هيكون 730 جنيها للطن وكمان أجرة العربية اللي هتنقله»، مشددًا على أن الورق نظيف لأنه يأتي من مجمع التحرير.

من هنا بدأت عملية دقيقة للإمساك بالخيط الدقيق لعملية بيع تلك الأطنان، وخلال مراقبة لعملية نقل القمامة من مجمع التحرير إلى محجر الوفاء والأمل، أمسكت قوات أمن المجمع بمحرري «فيتو» بدعوى مراقبة المبنى، فما كان إلا التحايل بالتأكيد على أن الوقوف مرتبط باستخراج تصاريح سفر ليتم الإفراج عنهما.

ظل التوقتين (السادسة صباحًا والسادسة مساءً) كلمة سر دخول سيارات ربع ونصف نقل حكومية وأخرى تابعة لشركات النظافة إلى محيط المجمع لنقل القمامة في أكياس بلاستيكية كبيرة، ويتولى موظفو المجمع فصل الأوراق عن باقي المخلفات، وتجميعها في أكياس بلاستيك كبيرة على أن تحمل على سيارات النقل.

المشكلة الأكبر أن مجمع التحرير أو مجمع المصالح الحكومية به أكثر من 11 ألف موظف حكومي، وبه ألف و356 حجرة للموظفين لو خرجت ورقة واحدة من كل مكتب يوميًا لصارت معلومات الوزارات والعاصمة مكشوفة أمام الجميع، وكأن أهم ما يضمه ذلك المبنى العملاق من أوراق تحمل أدق المعلومات عن المواطنين وربما يكون بعضها سريًا صارت كلها تحت إشراف مقاول يترأس عددًا من عمال النظافة.

ولأن الأمر برمته يتم إسناده لأشخاص لا يقدرون قيمة تلك الأوراق فإن معلومات وأسماء وبيانات كبار رجال الدولة باتت «تحت بير سلم المجمع»، وبدلا من فرمها يتم بيعها لتاجر مقابل مبالغ مالية ليبيعها بدوره إلى محال الفول والفلافل، دون الالتفات إلى أن تلك الأوراق تحمل أختامًا وأسماء سرية.

«محمود. ا - عامل نظافة - 45عامًا» تحدث عن مكان الاحتفاظ بتلك الأوراق المهمة، مؤكدًا أنها يتم تحميلها على سيارات النظافة لتنقلها إلى محجر الوفاء والأمل لإجراء عملية فرم وإعدام الأوراق التي بها أسماء ومعلومات وأختام سرية.

داخل محجر الوفاء والأمل بدا الوضع أكثر كارثية، فلا أمن ولا حراسة على المحجر الذي يفتح أبوابه لسيارات النقل تدخل فارغة وتخرج محملة عن آخرها، وبسؤال أحد السائقين عن عملية إعدام أوراق مجمع التحرير، كانت كلماته كالرصاص، إذ قال: «الحديث عن إعدام الأوراق غير صحيح على الإطلاق، فالأوراق لا تعدم بل تباع، وهناك شخص يدعى (أحمد. أ – شاب ثلاثيني) هو المتحكم في المحجر، ويتم فرز الأوراق من بين العلب الصفيح والأكياس البلاستيكية، ومن ثم يبيعها إلى تجار الورق بالمخالفة للقانون).

ولا تزال الصدمات تتوالى واحدة بعد الأخرى، مع افتضاح أمر المحجر، حيث لا يستقبل المحجر أوراق مجمع التحرير فحسب بل كافة مؤسسات الدولة».. وعند سؤال (أحمد. أ) أكد أن سعر طن الورق يصل إلى 700 جنيه، قائلا: «دا انضف ورق هنا».

تاجر الورق بمحجر الوفاء والأمل تحدث عن معلومات «كارثية» بتأكيده على تكليف بعض العمال لفرز الأوراق الرسمية، والتي تحتوي على أسماء وأختام ومعلومات سرية من جميع المصالح الحكومية قبل بيعها، ثم الاشتراط على السائق التابع للمحل بالقدوم لتحميل الشحنة بنفسه حتى لا تكون هناك شبهة للمحجر في هذا الأمر.

تاجر الورق بالمحجر اعترف بأن قطاعًا كبيرًا ممن يشترون الأوراق ليسوا جميعهم مصريين، وقال: هناك أجانب يأتون لشراء كميات كبيرة من هذا الورق «لأن الطلب شديد على الورق دا»، إلا أنه نفى علمه بسر إقدام الأجانب على شراء أوراق المجمع، قائلا: «أنا عايز أبيع وأقبض والباقي ماليش فيه.. وما بسألش كل واحد هايعمل ايه بالورق.. أنا ببيع نحو 15 طنا ورق في اليوم».

قانونيًا تنص المادة 341 من قانون العقوبات على أنه: «كل من اختلس أو استعمل أو بدد مالا أو متعة أو بضائع أو نقودًا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها، وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم إلا على وجه (الوديعة) أو (الإجارة) أو على سبيل (عارية الاستعمال) أو (الرهن) أو كانت سلمت له بصفة كونه (وكيلًا - بأجرة أو مجانًا - بقصد عرضها للبيع أو بيعها أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره)، يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز 100 جنيه مصري».

وتعليقًا منه على ما سبق، قال «الخبير الأمني اللواء عبد الفتاح عمر» إن تسريب معلومات من أكبر مجمع مصالح بمصر في صورة جمع قمامة يعتبر عبثًا بالأمن القومي للبلاد، ويمكن لأي شخص الحصول على هذه المعلومات بسهولة كبيرة.

«عمر» طالب بسرعة تحرير دعوى قضائية ضد مسئولي مجمع التحرير، لاتخاذ كل الإجراءات القانونية ومحاسبة الذين لهم دور في تهديد أمن مصر القومي، مشيرًا إلى أن هناك تلاعبا بأمن مصر القومي، وما يحدث في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به مصر يعتبر خيانة للأمانة».

" نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية