رئيس التحرير
عصام كامل

9 أعوام على رحيل الشيخ أحمد ياسين .. أيقونة الانتفاضة الفلسطينية .. شكل لإسرائيل عقبة كبرى برغم أنه عاش حياته على كرسى متحرك .. "حماس" خسرت كثيرا برحيله .. وعقب وفاته بعدة سنوات حدثت "الفرقة"

الشيخ أحمد ياسين
الشيخ أحمد ياسين

 صباح يوم 22 مارس سنة 2004 استيقظ الأطفال والأمهات فى قطاع غزة على صوت القصف الصاروخى، وهجوم الطائرات، قد يكونون اعتادوا على سماع هذا الدوى، على عكس نظرائهم من أطفال العالم، خرج البعض لاستكشاف ما جرى، والآخرون كانوا بالفعل فى "شوارع غزة" عائدين إلى بيوتهم، بعد أن أدوا صلاة الفجر، وكانت صدمتهم الكبرى التى هزت العالم بأسره وليست غزة أو الضفة فحسب، فقد اغتالت يد العدوان الآثمة رجلا لا يحرك شيئا سوى "لسانه" بعد أن توقف جسده عن الحركة منذ عقود طويلة مضت.


ولم يكن الشيخ القعيد إلا مؤسس حركة "حماس" وزعيم المقاومة الفلسطينية الروحى الشيخ "أحمد ياسين"، خرج ياسين قبل 9 أعوام من المسجد القريب من بيته فى حى "صبرا" بغزة، بعد صلاة الفجر، على كرسيه المتحرك، بصحبة مرافقيه، لكن غدر "الصهاينة" وكانوا له بالمرصاد، وفى عملية أشرف عليها أرييل شارون، رئيس الوزراء فى دولة الاحتلال، استطاعت طائرات الأباتشى إصابة هدفها واغتيال أيقونة المقاومة الفلسطينية الشيخ "أحمد ياسين"، بثلاث صواريخ وُجهت للشيخ فأردته "شهيدا"، وتناثر "كرسيه" المتحرك فى الهواء، ورافقته أشلاء الشيخ الراحل.

وكان الشيخ يشكل لإسرائيل عقبة كبرى برغم أنه عاش حياته مقعدا على كرسى، ولم يستطع على تحريك شيء من جسده إلا لسانه، لتقضى إسرائيل على الأسطورة التى كانت تؤرق مسارها، وليبدأ العالم فورة غضب ضد دولة الاحتلال التى زُرعت عنوة فى الشرق الأوسط.

ومن بين مقولاته: "إن شرعية أى سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان فى الحياة بحرية"، فبلا أى قيود ولا تحكمات تمضى الحياة وفقا لقول الراحل، والشيخ أحمد ياسين من مواليد 28 يونيو، ولد فى قرية الجورة التابعه لقضاء المجدل جنوبى قطاع غزة، لجأ مع أسرته إلى قطاع غزة بعد حرب عام 1948م.

ومات والده وهو فى سن المهد، وتعرض لحادث فى شبابه أثناء ممارسته للرياضة نتج عنه شلل جميع أطرافه شللا تاما، عمل مدرسا للغة العربية والتربية الإسلامية ثم عمل خطيبا ومدرسا فى مساجد غزة، وأصبح فى ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته فى الحق.

وكان له دوره البارز فى إلهاب مشاعر الجماهير عبر خطبه، وبعد نكسة 1967 م التى احتلت فيها إسرائيل كل الأراضى الفلسطينية بما فيها قطاع غزة استمر أحمد ياسين فى إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسى الذى كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، ويجمع التبرعات والمعونات لأسر الشهداء والمعتقلين.

وفى عام 1983م تم اعتقاله للمرة الأولى من قبل سلطات الاحتلال بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكرى والتحريض على إزالة الدولة اليهودية من الوجود، وأصدرت عليه المحكمة الصهيونية حكما بالسجن 13 عاما، إلا أنه أفرج عنه عام 1985 فى عملية تبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ليخرج ويؤسس مع مجموعةٍ من رفاقه حركة المقاومة الإسلامية حماس، أحد أزرع جماعة الإخوان المسلمين، وكان "ياسين" قد انتمى إليها فى عام 1955م وآل إليه أمر قيادة الجماعة فى فلسطين فى العام 1968م.

ويعود بعدها "ياسين" إلى السجن مرة أخرى، فمع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية 1987 حاول العدو الصهيونى إيقاف نشاط أحمد ياسين، بأى وسيلة، فقام فى عام 1988 م بمداهمة منزله وتفتيشه، وهُدد بالنفى إلى لبنان، ثم ألقى القبض عليه مع المئات من أبناء الشعب الفلسطينى عام 1989 م فى محاولة لوقف المقاومة المسلحة التى أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض، وصدر ضده فى 1991 م حكما بالسجن مدى الحياة إضافة إلى 15 سنة أخرى بتهمة التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكرى والأمنى.

وأفرج عنه فى 1997م بموجب اتفاق تم التوصل إليه بين الأردن وإسرائيل فى أعقاب عملية فاشلة للموساد فى الأردن، كانت تستهدف خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس.

وتم إطلاق سراحه فى عملية استبدل فيها بالعميلين الإسرائيليين المتورطين فى محاولة اغتيال خالد مشعل، وذاع صيته أثناء وجوده فى السجن كرمز للمقاومة الفلسطينية.

وأُبعِد ياسين إلى الأردن بعد ثمانية أعوام ونصف، عاد بعدها لغزة، وخرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين لاستقباله، وأعلن وقتها أنه لا تنازل عن حق من حقوق الشعب الفلسطينى، وأن الجهاد هو الحل الأوحد، بعيدا عن المفاوضات المليئة بالمساومات والتفريط فى حق الوطن.

وأخيرا رحل ياسين ليترك فراغا كبيرًا فى حركة حماس، فعلى الرغم من تأكيد الحركة على أنها قائمة على العمل الجمعى، وأنه لا تأثير للأفراد عليها، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن "حماس" خسرت كثيرا برحيل زعيمها الروحى، الذى طالما كان ينادى بالوحدة بين الشعب الفلسطينى، لكن وعقب وفاته بعدة سنوات حصلت الفرقة، والانقسام فى الصف الفلسطينى، وما زالت مفاوضات المصالحة بين الفصيلين الأكثر تأثيرا "فتح" و"حماس" قائمة بدون أى مؤشرات للمصالحة الحقيقية.
الجريدة الرسمية