البرلمان وفوضى الإعلام
لا ينكر أحد أن الإعلام المصري خاصة "الفضائي" قد وصل إلى قمة الفوضى منذ زمن ليس بالقريب، وتجاهل وتجاوز وانتهك كل مبادئ ومعايير الإعلام المهني.
وقد تحدثنا كثيرًا وأكدنا أن هذا الإعلام قد بلغ منتهاه –بقصد وسوء نية أو عن جهل وعدم مسئولية– بمحاولات هدم الدولة المصرية، بعد أن سلك كل طرق الإسفاف والسباب والشتائم والجن والعفاريت.
كل ذلك كان يحدث ولا يزال، ومؤسسات الدولة تغمض عيونها عما يجري ويُدبر وينطلق من الفضائيات المُخربة دون أن يُحرك لها ساكنًا، والرأي العام ينادي ويطالب ويصرخ لوقف هذا السيل الجارف دون مجيب من الجهات المسئولة المنوط بها تطبيق القانون.
وقد طال الإعلام الفضائي جُل مؤسسات الدولة بدءًا من مؤسسة الرئاسة مرورًا بالقوات المسلحة ورجال الشرطة وليس انتهاءً بمعظم الشخصيات العامة.
إلا أنه عندما طال هذا الهجوم الإعلامي، البرلمان صحا وانتفض وهاج وماج وهدد وتوعد.. فقد شن البرلمان في جلسته الصباحية يوم الاثنين الماضي هجومًا عنيفًا على القنوات الفضائية التي هاجمت النواب ووصفتهم بالعاهات وهو ما يمثل بالفعل انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير وتجاوزًا في حق السلطة التشريعية.
وأصدر البرلمان بيانًا شديد اللهجة استعرض فيه إنجازاته خلال الأربعة أشهر المنصرمة، مطالبًا وسائل الإعلام التحلي بروح الاحترام الواجب للمؤسسات الدستورية والتزام حدود الدستور والقانون.
وقد سبق لبعض النواب أن طالبوا مؤخرًا بوضع قيود على مواقع التواصل الاجتماعي.. وقال النائب سمير غطاس بُعيد طرده من تلك الجلسة عقب مشادة كلامية بينه وبين الدكتور علي عبدالعال، رئيس المجلس، إن هناك تيارًا داخل المجلس يحاول تكميم الأفواه، وإن هذا أمر لا يليق ببرلمان يؤسس للديمقراطية، وإن من لديه أي تحفظ على ما ينشر ويذاع عليه اللجوء للقضاء.. وهذا في الحقيقة قول صائب ورشيد.
إن القضاء على الفوضى الضاربة الآن في وسائل الإعلام المصرية يتمثل في تطبيق مواد الدستور، وإسراع البرلمان في الانتهاء من إصدار التشريعات الخاصة بتأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المنوط به وضع الضوابط واللوائح والمعايير اللازمة والمنظمة للعمل الإعلامي وضمان التزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، وكذلك تأسيس الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وهي الهيئات التي نص عليها الدستور في المواد 211، 212، 213.
ومن الأهمية بمكان أيضًا الإسراع في إنشاء نقابة الإعلاميين المرتقبة والتي طال الحديث عنها منذ عقود، لتكون إلى جانب نقابة الصحفيين درعًا واقية لحماية المهنة الإعلامية والإعلاميين من الدخلاء والجهلاء.
وأخيرًا.. إن وضع ميثاق شرف صحفي - إعلامي والالتزام به وعدم الخروج عليـــه، وتفعيل القانون إزاء الجرائم الإعلامية، هو السبيل الناجع لضبط الإعلام المصري والعودة به لمكانته المهنية و"المحترمة" التي يجب أن يكون عليها.