رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا جرى للمصريين ؟ (2)


لا تندهش فهذا واقعنا.. فإذا ساقك حظك العاثر، وقرأت الصحف التي تدني توزيعها بصورة مذهلة رغم سخونة الأحداث وتصاعدها ينتابك اكتئاب، وتعتريك حسرة من سوء ما تقرأ.. وإذا هربت من الملل والفراغ إلى شاشات التليفزيون المصري فلا نجد شيئًا يخفف عنك أو يمنحك ما تتوقعه، بل ربما زادت حسرتك وداهمتك الآلام.. فإذا ما انتقلت إلى الفضائيات الخاصة، وما أكثرها، شعرت بحزن أشد لما صارت عليه تلك الفضائيات من فوضى وسطحية وانعدام مهنية وربما مصداقية؛ إذ سرعان ما يصيبك الإحباط والتشاؤم وربما دخلت في موجة اكتئاب تطول أو تقصر إذا ما شاهدت نشرات الأخبار أو برامج التوك شو التي تغرق مشاهديها في دوامات من التشتت وربما التشويش والتضليل والحيرة.. وربما اكتشفت أنك بحاجة لزيارة العيادات النفسية التي كثرت وكثر مرتادوها في أعقاب ثورة يناير.


فإذا ما حولت بصرك إلى الإعلام الخارجي، صدمتك أهوال الصراعات ومشاهد القتل والتخريب والتدمير، وأغلبها - إن لم تكن كلها - من نصيب البلدان العربية.. فمن سيطرة تنظيم داعش على بعض مدن العراق وسوريا، ثم انتقاله إلى ليبيا المتاخمة لحدودنا، وما خلفه من قتلى ومهاجرين ولاجئين ودمار للحضارة والتراث وللمستقبل، وتمزيق للدول التي دخل بعضها في عداد الدول الفاشلة وبعضها في عداد اللادولة. 

الغريب والمريب أنك لا تجد قُطرًا أو دولة أصابها مثل هذا الفيروس اللعين إلا وهي عربية مسلمة.. فإذا اتجهت إلى الأراضي المحتلة وجدت شعبًا عربيًا نسيه العالم تحت وطأة الاحتلال الصهيوني.. شعبًا عربيًا يموت كل يوم عشرات بل مئات المرات على أيدي صهاينة قتلة مدعومين بأمريكا والغرب، اللذين نفضا أيديهما من قضية فلسطين، ولحسا وعودهما بدولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس الشرقية.. وكذلك فعلت المنظمة الأممية وغيرها من المنظمات الدولية.

المدهش والمؤلم أن القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين تاريخيًا، تراجعت في سلم أولويات الدول العربية التي صار أغلبها صورة مصغرة من الحال الفلسطيني بفعل الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية التي اجتاحت دولهم مع هبوب رياح الربيع العربي على صهوة المؤامرات الغربية.. وابتلع الجميع الطعم للأسف وصاروا ضحايا لصراعاتهم وخلافاتهم أنفسهم.. ولم يعد مستغربًا والحال هكذا أن يتمادى نتنياهو في صلفه وجبروته، فالعرب قد فعلوا بأنفسهم أكثر وأقسى مما فعله الصهاينة بهم؛ فالقاتل عربي والمقتول عربي واللاجئ عربي والمتفرجون عرب.

ولهذا لم يعد مؤلمًا أن نرى شعبًا أعزل تحاصره إسرائيل التي تقف وراء مصائب العرب وأزماتهم، وربما نكتشف يومًا أنها متورطة في أزمة ريجيني لمحاصرة مصر وإحداث وقيعة بينها وبين أوروبا، وربما تكون ضالعة في تصاعد أزمة سد النهضة وسقوط الطائرة الروسية وغيرهما.. لكن ذلك لا يعني أننا برآء مما حدث لنا، بل نحن مسئولون أولًا عما حدث؛ لسوء أدائنا وتعاملنا مع الأزمات، وفشلنا في احتوائها، أو منع وقوعها من الأساس.

ونكمل غدًا..

الجريدة الرسمية