حقوق الإنسان، ونشطاء هذا الزمان
كلما ألقت بي ظروفي السيئة إلى إحدى مقاهي وسط البلد الذي يجلس عليها من يمارسون حرفة النشطاء تذكرت على الفور مقولة للشاعر الراحل نزار قباني نصها:
(إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب.. يريدون أن يخوضوا البحر وهم يتزحلقون بقطرة ماء.. يبشرون بثورة ثقافية تحرق الأخضر واليابس، وثقافتهم لا تتجاوز باب المقهى الذي يجلسون فيه، وعناوين الكتب المترجمة التي سمعوا عنها).
ولا شك أن كل هؤلاء النشطاء لم يدركوا بعد أن عالم اليوم أصبحت معايير التنمية البشرية وحقوق الإنسان تشغل بال المجتمع الدولي وبدأت الأمم المتحدة منذ بداية التسعينيات تصدر تقارير سنوية تتناول قضايا التنمية البشرية التي تؤكد جميعها أن التخطيط الاقتصادي وحده لن يحقق أهدافه إذا لم يكن في إطار تنمية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تهدف إلى تحقيق حرية الإنسان وكرامته.
وإن تفضيل بعض الحقوق على غيرها وافتعال أولويات وتصنيفات يعتبر عملاً ضارًا وغير ملائم ولا شك أن التجارب التي حاولت معالجة حقوق الإنسان بإعطاء أولوية للحقوق الاجتماعية أو إعطاء أولوية للحقوق السياسية قد خلقت الكثير من المشكلات، والجور على الحقوق الاجتماعية بما يؤدي إلى الحرمان والإفقار، وإن الجور على الحقوق السياسية يؤدي إلى الاستبداد والقهر، وبالتالي فلا بد من النظر إلى كل من الحقوق الاجتماعية والحقوق السياسية كسبيكة واحدة غير قابلة للانقسام والتفتيت.
تحكم قطب واحد وهو أمريكا في العالم فتوحشت الرأسمالية، وشاهدنا خطورة توظيف شعار الحقوق السياسية التي اجتزأته أمريكا وبعض الدول الغربية لفرض الوصاية على العراق الشقيق ونهب ثرواته وإذلال شعبه تحت دعاوى كاذبة عن حق مواطني العراق في العيش في مجتمع ديمقراطي، ولا شك أن تعثر برامج التنمية في دول العالم الثالث وتردي حالة حقوق الإنسان في معظم البلدان وتزايد مشكلات الفقر والهجرة الشرعية وغير الشرعية يجعلنا نتمسك بقضايا حقوق الإنسان بأجياله المختلفة.
•الحقوق المدنية والسياسية.
•الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
•الحق في السلام.
•الحق في العيش في بيئة نظيفة.
ولا شك أن تجربة غزو العراق قد دمرت كل هذه الحقوق تحت شعار إقامة الديمقراطية المجتزأة من مجمل الحقوق.
لقد جاء الإعلان العالمي للحق في التنمية الذي أصدرته الأمم المتحدة في 4 ديسمبر 1986، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالاً تامًا وأن تتحمل الدولة المسئولية الرئيسية في تهيئة الأوضاع الوطنية لإعمال الحق في التنمية بأجيالها المختلفة.
لقد أصبحت حقوق الإنسان جزءًا من القانون الدولي بوجود أكثر من مائة معاهدة واتفاقية عالمية غير قابلة للتصرف باعتبارها مكسبًا للإنسان، وقد تضمنت هذه المواثيق اقتران الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ببعضها بعضًا.
وهذا ما أكده المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993، على عالمية حقوق الإنسان وترابطها وعدم تجزئتها.
وهذا الاتجاه السائد في العالم يجب أن تدعمه الحكومة ورجال الأعمال ومنظماتهم والعمال ومنظماتهم النقابية وعدم السماح من هذه الأطراف بتجزئة هذه الحقوق والتمسك بشموليتها ورفض أي محاولة لاجتزائها.
لذلك لم تكن القضية الوطنية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعلقة بممارسة الحكم وديمقراطيته غائبة عن المشهد، بل كانت تمثل سبيكة واحدة في عقل الرئيس السيسي على عكس النخبة السياسية التي اهتمت فقط بالحريات السياسية دون مراعاة الارتباط العضوي بالقضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكل مجتمعة أعمدة المشروع الوطني لتحقيق مكتسبات سريعة على حساب الثورة والوطن والشعب.
ولا شك أن هذه التصورات البائسة للنخبة كانت تنحاز إلى المشروعات المعادية وتهدد المصير الوطني وتبقى على البيئة الحاضنة للإرهاب.
لقد أدرك المشير عبد الفتاح السيسي برؤية ثاقبة المدخل الذي يحقق المشروع الوطني الحقيقي ويتمثل هذا المدخل في استقلالية القرار الوطني المصري وحماية الأمن القومي الذي تحقق لحد كبير بعد ثورة 30 يونيو، وألحق الهزيمة لمحاولات تقسيم الوطن العربي والتبعية لأمريكا.
وعبر في خطابه إلى الأمة عن إدراك عميق للترابط بين عناصر المشروع الوطني في الاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية وديمقراطية الحكم التي كانت من أهم ملامح خطابه السياسي عميق الدلالة والبساطة والتأثير.
وفي هذه الملحمة عرف الشعب عبد الفتاح السيسي كقائد مؤمن بمصر وشعبها، يحمل حضارة وشموخ الإنسان المصري عبر آلاف السنين، القادر على اتخاذ القرارات الصعبة في الوقت المناسب، الواثق أن مصر سوف تنهض من كبوتها لتظل أم الدنيا، فصدقه الشعب وأحبه وطالبه أن يقود مسيرة البناء مع الشعب ساعدًا بساعد وكتفًا بكتف.
إنها ببساطة حكمة المواطن البسيط بحكم تراكم خبرته التاريخية المدركة جذرية العسكرية المصرية وعمق ارتباطها بالشعب.
وهذا المشروع الوطني الذي انحاز له الرئيس لبناء مصر الحديثة ليس بالأمر السهل لأن نجاحه قائم على المشاركة الحقيقية للشعب وقواه الفاعلة من خلال آلية الحوار الاجتماعي التي تعاني من أزمة حقيقية في الوقت الراهن.. سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، وألقى بظلاله على علاقات العمل الجماعية.
حيث ما زال الجو السائد في علاقات العمل الجماعية هو الصراع والتصادم، ولا شك أن الحوار سوف يظل في أزمة حقيقية إذ لم يعِ الجميع حقيقته وحقيقة الحوار ببساطة شديدة يعني التشاور وتبادل الآراء والمعلومات بين الأطراف حول المصالح المشتركة، وهو عكس الطرح الأحادي، وهو بالضرورة عملية تفرض على الأطراف أن تعترف ببعضها بعضًا بحسن نية حتى لو جاء الاعتراف في وقت من الأوقات اضطراريًا أو تكتيكيًا، المهم في الأمر هو الشروع في الحوار الذي يزيد من تجربتهم إذا استمر التراكم ولم ينقطع.
لقد حان الوقت أن نعمل على بناء مصر وعلى استقرارها وأن نحافظ على السلام الاجتماعي وهذا لن يتحقق إلا بالحوار والتفاهم والاحترام المتبادل.
خطابنا النقابي منذ بداية الثورة وحتى الآن يحمل هذه الرؤية وهي تقترب كثيرًا لنفس ما أكده الرئيس في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي أثناء زيارته إلى القاهرة.