رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب محفوظ يكتب: حياتي مثل تورتة الفرح

الأديب نجيب محفوظ
الأديب نجيب محفوظ

 في مجلة «الإذاعة» عام 1957 كتب الأديب نجيب محفوظ مقالًا عن مراحل حياته قال فيه: حياتي مثل تورتة الفرح تستطيع بالسكين أن تقطعها إلى مراحل، كل مرحلة على حدة، وهي كالتالي:


 بدأت بمرحلة كُتاب الشيخ بحيري في الجمالية، وضمني أبي إليه وأنا في العام الرابع ديسمبر 1916، وكنت أضعف أطفال الكتاب في البنية وفي الحفظ، وكنت أحضر معي غدائي كل صباح رغيف وربع حلاوة وبيضتين، لكن كان الأطفال يخطفونه مني ويقسموه على أنفسهم، وكانت زعيمة خطف الطعام هي عائشة، وويل لمن يحاول استعادة طعامه.

 المرحلة الثانية في مدرسة البراموني الأولية التي تعلمت فيها آداب العفاريت، فقد كان مدرس العربي يستهلك الحصة كلها في الحديث عن العفاريت وأنها تعيش في باطن الأرض ولا تخرج منها إلا إذا سرق أحدنا قطعة طباشير أو أهمل كتابه أو طلب المصروف من والده.

 ثالثًا مدرسة الحسينية الابتدائية التي قرأت فيها عن محاكم التفتيش، وأتذكر فيها المسطرة السوداء التي كان يهوي بها المدرس على عُقل أصابعي في برد الشتاء أو الشلوت الذي كان يقذفني به مدرس الإنجليزي حين يجد رباط جزمتي مفكوكًا.

 رابعًا مدرسة فؤاد الأول الثانوية، تذوقت فيها معنى السياسة، والتحقت منها بحزب الوفد في وقت كان فيه حزب الأحرار الدستوريين يسند رأسه إلى الملك نفسه، وكنا في حوش المدرسة الوفديون يتحدثون عن المعارك والمبادئ والإضرابات والزعيم، أما الدستوريين فيتحدثون عن مسرحيات يوسف وهبي وجو أوروبا في الصيف، وسقط النحاس وجاء محمد محمود باشا فكتب التابعي مقالًا في روزا اليوسف بعنوان «سخام البرك».

 خامسًا مرحلة كلية الآداب قسم الفلسفة، عشت فيه مع سقراط وأرسطو وديكارت وابن سينا، لكن لم أنسَ النضال السياسي، وذات مرة كنت في إحدى المظاهرات بشارع قصر العينى أهتف، وطاردنا البوليس، وجريت وجرى ورائي عسكري سواري بحصانه حتى وصلت بيت الأمة؛ فقذفت بنفسي فوق السور لكنه أمسك بفردة حذائي، واستقبلتني السيدة صفية زغلول وأعطتني كوبًا من الشربات فرحة بي.

 حصلت على الليسانس عام 1934، ولم أستفد مثل جيلى من الجامعة نصف ما استفدناه من قراءة كتب طه حسين والعقاد والمازني وقتها.
الجريدة الرسمية