أزمة ثقة
المراقب للوضع المصري بدقة يدرك أن هناك أزمة ثقة عميقة بين المواطنين وكل ما هو رسمي أو حكومي، فما أن يصدر بيان أو تصريح أو معلومة عن جهة رسمية، إلا وينبري كثيرون سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في التجمعات المختلفة على المقاهي، في النوادي، في المواصلات العامة، وغيرها يشككون ويقللون ويسفهون ويحقرون مما قيل وما يقال.. بعضهم قد يفعل ذلك عن سوء قصد وبنية مبيتة لخلاف سياسي أو أيديولوجي أو فكري أو صراع مصالح، ولكن أكثرهم يفعل ذلك لفقدانهم الثقة في كل ما هو حكومي أو رسمي.
وحالة فقدان الثقة التي يتعاظم قدرها وتأثيرها خلال هذه الفترة ليست وليدة اللحظة أو نتاج المرحلة التي نمر بها فقط، وإنما هي أيضًا نتاج تاريخ طويل امتد لعشرات السنوات عانى منه المجتمع من صور شتى من ألوان التضليل والكذب وتزييف الحقائق ما يلبث المجتمع في كل مرة أن يكتشف الحقيقة المرة التي أخفيت عنه فيزداد يقينه مرة تلو الأخرى بأن هذا المسئول الحكومي ما هو إلا "كذاب أشر"، وأنهم يخضعون لخديعة كبرى تتعدد حلقاتها وأبطالها..
تكرار مسلسل "الخداع والتضليل الحكومي" لا شك أنه أصاب المواطنين بالملل والرتابة، وصلت إلى حد القرف حتى ولو اتسمت بعض مشاهدها بالواقعية وعبرت عن الحقيقة.. فقد صارت هناك قناعة بأن تلك الواقعية أشبه بـ "دس السم في العسل" وأن ما يحدث ما هو إلا إخراج جديد لمشاهد قديمة سيئة.. حتى سيطر على المشاهدين والمستمعين مشاعر الإحباط واليأس في التغيير وتراجعت روحهم المعنوية لأدنى مستوياتها..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة وعلينا جميعا أن نسعى للإجابة عنه هو "كيفية استعادة الثقة المفقودة بين السلطة الحاكمة والشعب"؟
وفي ظني أن هذا لن يتأتى إلا باتخاذ السلطة عدة إجراءات على طريق "إعادة بناء الثقة"، وأن تصبر وتثابر على هذه الخطوات.. ومن أبرز هذه الإجراءات:
- اتباع سياسة الشفافية والوضوح والمكاشفة والمصارحة في كل أعمالها ومع الوقت سيتولد قناعة لدى المواطنين حول مصداقية هذه السياسة.
- ابتعاد السلطة عن اتباع أسلوب الاستعلاء في التعامل مع الشعب والاعتقاد بأنهم يحتكرون الحقيقة والمعرفة والوطنية، وتخوين كل من يختلف فى الرأي أو في التوجه السياسي.
- تقديم كل المخطئين في حق الشعب والدولة للمحاكمة دون تستر على أحد أو مجاملة ودون البحث عن كبش فداء في كل مرة، وأن يكون لدى سلطة قناعة أن قدرتها على التنازل عن الحقوق يجب أن يكون تاليا لاستعادة كل حقوق الوطن المهدرة والمهربة للخارج من رموز النظام السابق أو حتى النظام الحالي.
- أن تتوقف تمامًا تلك الأبواق المنفرة التي تتعامل بمنطق "الدبة اللي قتلت صاحبها" التي لا يزيد دفاعها الممجوج والمقيت -عن السلطة– الشعب إلا نفورًا، في الوقت الذي يصور لهم خيالهم المريض أنهم المدافعون وحماة الحما عن السلطة.. ألا إنهم كذبوا.. وما دفاعهم إلا عن مصالحهم الشخصية وحساباتهم البنكية.. فلا حامي ولا مدافع عن السلطة بعد الله إلا هذا الشعب رغم ما فيه من علل وأمراض.
- كما على السلطة أن تتخذ من الإجراءات والقرارات ما يشعر الشعب أنها فعلا تعمل لصالحه وليست امتدادا لأنظمة سابقة ألهبت ظهر المواطنين البسطاء بسياط قراراتها المنحازة دومًا للأغنياء ورجال الأعمال الداعمين لها.. على حساب هذا الشعب الذي لا حول له ولا قوة، كما اعتقدوا من قبل، فنالهم منه ما نالوا.