رئيس التحرير
عصام كامل

آخر كلام.. وانتصرت الثورة المضادة!!


لقد تجاوزنا منذ عدة أشهر العام الخامس لثورة 25 يناير 2011، وأوشكنا على إتمام العام الثالث للموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013، وما زال الشعب المصرى الذي خرج على مبارك ومن بعده مرسي يرفع نفس الشعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن هيهات أن تتحقق أحلامه التي بدأت تتبدد وتتحول إلى كوابيس وأوهام، لدرجة جعلت الكثيرين منهم يكفرون بالثورة..


حيث كانت أوضاعهم المعيشية المتردية قبل 25 يناير محتملة، أما الآن فقد أصبحت فوق احتمالهم ولم يعد أبناء الطبقة الوسطى قادرين على تلبية احتياجات أسرهم والكثير منهم سقط من فوق السلم الاجتماعي ليواجه مصير الغالبية العظمى من شعب مصر الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون مواجهة غول الأسعار الذي يلتهم دخولهم قبل مرور أسبوع من بداية الشهر ويجلسون يندبون حظوظهم باقى أيام الشهر ويستدينون وتهدر كرامتهم، هذا بالنسبة للعاملين بالقطاع الرسمى وهم يشكلون ربع العاملين بالدولة أما القطاع الأكبر والذي يشكل ثلاثة أرباع العاملين في الدولة فيعملون في القطاع غير الرسمى وعن هؤلاء وفقرهم ومعاناتهم حدث ولا حرج.

لقد انتظر الشعب المصرى الذي ثار في 25 يناير أن تتحقق أحلامه ومطالبه المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد أن ظن أن الثورة قد انتهت برحيل مبارك فقام بتنظيف الميادين في صورة حضارية رائعة وعاد الجميع إلى منازلهم ينتظرون من المجلس العسكري الذي تولى حكم البلاد تحقيق ما خرجوا من أجله، وللآسف فشل المجلس العسكري في تحقيق مطالب وأحلام المصريين وفشل أيضا في إدارة شئون البلاد، وكانت النتيجة مزيد من المعاناة للشعب، ومزيد من الصراع على السلطة بين فصيل إرهابي غير وطنى يريد الوصول للسلطة حتى ولو على جثث المصريين لتحقيق حلم الخلافة الوهمى، وبين فصيل الفساد الممثل في عصابة مبارك التي تراجعت مؤقتا وانحنت للريح الثورية العاتية وعادت لتنظيم صفوفها من أجل القيام بالثورة المضادة.

ونجح الفصيل الإرهابي في الجولة الأولى لاختطاف مصر وعاش الشعب المصرى عاما من أسوأ أيامه وتمكن من كشف الفصيل الإرهابي مبكرا وتأكد أنه يسير على نفس نهج نظام مبارك التابع أمريكيا وصهيونيا حيث حاول الفصيل الإرهابي مغازلة الأمريكان والصهاينة بشكل فج ومفضوح فكانت نهايتهم مبكرة بعد خروج الشعب عليهم في 30 يونيو.

وبعد نجاح الشعب في الإطاحة بالجماعة الإرهابية عاد من جديد ينتظر تحقيق أحلامه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وتوسم خيرا في قائد الجيش وجاء به رئيسا، بعد أن أعد دستورا جديدا معتقدا بذلك أنه يسير في طريق تحقيق مطالبه المشروعة، وصبر وطال الصبر وفى تلك الأثناء التي اختفى فيها الفصيل الإرهابي من المشهد السياسي، وأصبح الملعب خاليا لفصيل الفساد ممثل الثورة المضادة ليعود من جديد وبقوة لصدارة المشهد السياسي ممثلا في حكومات يغلب عليها أعضاء الحزب الوطنى ولجنة السياسات من الصفوف الخلفية والوجوه غير المعروفة إعلاميا وجماهيريا، وظل الأباطرة الكبار في خلفية الصورة مسيطرين ومهيمنين اقتصاديا، وجاء الاستحقاق البرلماني ليستحوذ تيار الثورة المضادة على الأغلبية عبر الرشاوى الانتخابية وشراء أصوات الناخبين من الفقراء استغلالا لفقرهم وهم الأغلبية الساحقة من شعب مصر.

وانتهى مولد خارطة المستقبل المزعومة وانتظر الشعب المصرى تحقيق أحلامه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لكن كل ذلك تبدد بفعل سياسات النظام الجديد الذي قام بتجريف الحياة السياسية تماما بالقضاء على الأحزاب السياسية التي يمكن من خلالها بناء نظام ديمقراطى، وعلى المستوى الاقتصادى ظلت السياسات الرأسمالية التابعة كما هي وبقى 40 شخصا يسيطرون على 80% من ثروة الوطن، وعلى المستوى الاجتماعى حدث ولا حرج لا تعليم ولا صحة ولا إسكان ولا ضمان اجتماعي مع ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل ونسبة من يفقدون أعمالهم، وفى الملفات الخارجية عادت من جديد سياسات السادات – مبارك التي يتراجع فيها الدور المصرى على المستويين الدولى والإقليمى، ويشهد على ذلك التبعية الكاملة لمن ينفذ الأجندة الأمريكية الصهيونية التي تسعي لتقسيم وتفتيت الوطن العربي عبر دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية.

وأخيرا محاولة التفريط في جزء من تراب الوطن –على غرار المشروع الإخوانى الإرهابي- للمملكة السعودية وهو جزيرتا "تيران وصنافير" التي وقعت حرب 1967 بسببهما مع العدو الصهيونى، وهما الثابتتان تاريخيا كأرض مصرية وفقا لترسيم الحدود لعام 1906 قبل تأسيس الكيان السعودى الذي أسس في عام 1932..

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا ستفعل مصر إذا وافقت المملكة السعودية على إقامة قاعدة عسكرية لأمريكا بجزيرة تيران وهو حلم الأمريكان القديم بوضع قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر؟!

وآخر كلام للشعب المصرى هو أنك راهنت على رهانات خاسرة، فالثورة التي لا تحكم لا يمكن أن تحقق أحلام القائمين بها، بل تبقى فريسة للصراع على السلطة بين أجنحة الفساد والإرهاب، ولذلك يمكننا الآن أن نعلن وبضمير مستريح أن الثورة المضادة قد انتصرت في هذه الجولة لكنها لن تبقي طويلا لأن أسباب الثورة ما زالت قائمة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية