أوباما بلا تسوية
بعد انتهاء الانتخابات فى إسرائيل وزيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ستعود المسألة الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدبلوماسى، ولكن ربما لا يكون إلى قلب المسرح، وذلك لأن أوباما أوضح أن الاضطرارات الداخلية والاقتصادية أولاً، كما أنه يعرف أيضاً أن احتمال حل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى لا يلوح فى الأفق، بالإضافة إلى أنه غير متحمس لأن يفشل كسابقيه، ولكن فى كل الأحوال سيكون للمسألة الفلسطينية بعض الأهمية لدى الولايات المتحدة فى السنوات الأربع القادمة.
كل ما هو متعارف من طرق لحل النزاع فى المنطقة من الترانسفير (تبادل السكان) عبر الدولتين للشعبين، والحكم الذاتى، والضم للمنطقة "ج"، والكتل الاستيطانية وتبادل الأراضى، وحتى الانسحاب الكامل إلى الخط الأخضر، هى خيارات تتراوح ما بين غير المرغوب فيه والمستحيل، فمثلاً بالنسبة للترانسفير لا يوجد ما يمكن أن نقوله، وفيما يخص مسألة الدولة ثنائية القومية، معناها شطب الاعتبارات التى من أجلها قامت دولة إسرائيل، وأما بالنسبة لضم المنطقة (ج) كما اقترح حزب "البيت" اليهودى معناه زيادة من 50 حتى 100 ألف مواطن عربى، وهذا الأمر لن يقبله أحد، وفيما يخص عودة كاملة إلى الخط الأخضر، هو أمر غير متاح ولو من الناحية الأمنية.
يوجد من يعتقد أن تقسيم البلاد أسوأ من الدولة ثنائية القومية، ويفضلون دولة واحدة تضمن الأغلبية اليهودية فيها وتضم الضفة الغربية فى ظل منح حقوق متساوية ومواطنة إسرائيلية للفلسطينيين، ولكنهم لا يوضحون متى وكيف ستضمن الأغلبية اليهودية، الكثيرون ممن يؤيدون هذا النهج يعتمدون على فكرة "الحائط الحديدى لجبوتنيسكى" أى الافتراض بأن العرب سيسلمون بوجود الدولة اليهودية عندما يتبين لهم أن ليس فى وسعهم هزيمتها، ولكنهم ينسون أن هذه الأقوال قيلت قبل سنوات عديدة.
إن حل الدولتين للشعبين مقبول لدى معظم العالم، وإن لم يكن بالضرورة من كل الفلسطينيين، وكذلك من معظم الإسرائيليين، وإن لم يكن أيضاً يشكل الأغلبية الساحقة، وإذا عدنا إلى تفاصيل التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين حسب صيغة كلينتون، فهى معروفة، ولكن الحقيقة هى أن معظم التوافقات هذه ليست مقبولة من أحد الطرفين أو من كليهما، فلا يوجد تفسير مشابه لمشكلة اللاجئين، لا يوجد قاسم مشترك أدنى بالنسبة للقدس والحرم.
وأشار أحد الاستطلاعات إلى أن 71% من الإسرائيليين يعارضون التنازل عن القدس الشرقية، بينما يعارض الفلسطينيون إعطاء أى مكانة لإسرائيل فى الحرم القدسى، وعند الحديث عن خطوط 67 وتبادل الأراضى، ليس واضحًا عن أى أراض يتحدثون، وإذا كانت الكتل الاستيطانية متفق عليها من الجميع، فليس واضحًا لماذا يصرخ العالم والفلسطينيون كلما قامت إسرائيل بالبناء فى المناطق الحبيسة فى هذه الكتل، ناهيك عن إشكالية اقتراح إخلاء مائة ألف مستوطن من خارج الكتل، وعن مسائل الأمن، والمياه وما شابه فى واقع دولة فلسطينية قريبة جدًا من تجمعاتنا السكانية والاقتصادية، الدولة التى من شأنها أن تنتقل قريبًا إلى أيدى حماس.
المشكلة الحقيقية ليست فى أن إسرائيل ليس لها شريك، بل فى أنه لا يوجد تسوية، فالقيادة الفلسطينية متمسكة بقرارها الاستراتيجى بألا تدخل فى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تلزمها بحلول وسط والاعتراف بحق الشعب اليهودى فى دولة خاصة به فى أى جزء من فلسطين.
وعندما يدعى دهاقنة إسرائيل بأنه يجب وضع الرئيس محمود عباس قيد الاختبار، فهم ينسون أنه سبق أن فشل فى هذا الاختبار أكثر من مرة، وذلك مع إيهود أولمرت وتسيبى ليفنى، وفى خطة فك الارتباط مع أرئيل شارون وخطاب بار إيلان لبنيامين نتانياهو.
هذا لا يعنى أن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى، وعلى حد فهمى هذه ليست نية نتانياهو، فهو يعارض تخليد الوضع الذى تسيطر فيه إسرائيل على شعب آخر، ولكنه قلق من الآثار الأمنية لإقامة دولة فلسطينية غير مراقبة وغير منزوعة السلاح، الأفكار التى ستطرحها إسرائيل لن يستجاب لها بالضرورة ولكن سيكون فيها ما يعطى جوابًا على الصورة الكاذبة التى تظهر إسرائيل على أنها ترفض تحريك عجلة السلام .
هناك أفكار يمكن طرحها دون التخلى عن مواقفنا التاريخية والأمنية، يمكنها أن تتناول مثلاً، خريطة الطريق من العام 2002 مع بعض التعديلات، أو اقتراح السلام السعودى ليس كإملاء بل كبرنامج للمفاوضات، نعم يمكن طرح اقتراحات لتسويات جزئية فى مجالات مختلفة، ولكن ليست تسويات كاملة فالاحتمال للتقدم الحقيقى نحو السلام ليس كبيرًا، ولكن يجب على الفلسطينيين أن يبرهنوا العكس، يجب مع ذلك الأخذ فى الحسبان التحديات السياسية والأمنية التى تحدق بإسرائيل خاصة التهديد الإيرانة.
* نقلاً عن هاآرتس