رئيس التحرير
عصام كامل

التمويل الداخلي!!


بين الحين والآخر تقوم الدنيا في مصر ولا تقعد بسبب التمويل الخارجي الذي ينسب لناشطين وحقوقيين، وفى كل مرة تتواتر الأنباء عن وقائع تمويل أجنبي تجاوز عشرات الملايين من الدولارات وأحيانا تجاوز مئات الملايين، وتتزامن من كل هوجة، حملة هجوم خارجية من الكثير من الدول والجهات الخارجية التي ترسل التمويل للناشطين والحقوقيين، تتهم الحكومة المصرية بالتضييق على الكيانات والجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وفى كل مرة أيضا يجاهر الكثيرون ممن ينسب لهم تلقى التمويلات الخارجية، يجاهرون بتصريحات عنيفة يتهمون الدولة وأجهزتها باستهدافهم بسبب معارضتهم لسياسات الدولة، وبالطبع يصاحب كل هذه المظاهر موجة من الهجوم الشديد من الكثير من الكتاب والصحفيين، والفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، موجة تهاجم الناشطين الممُوَلين وتتهمهم بالعمالة والخيانة وتهاجم من يدفعون لهم نظير تجسسهم على بلدهم!


الحقيقة أن هذا السيناريو يتكرر كل فترة بذات الأحداث وبذات ردود الأفعال، ويتكرر كذلك في كل مرة صدور قرار بحظر النشر في التحقيقات الخاصة بالتمويل الأجنبي، حرصا على مصلحة التحقيق، وينتظر الناس أن تنتهي التحقيقات في قضايا التمويل الأجنبي حتى تظهر الحقائق كاملة، ولكن لا يحدث شيء، ويبدو الأمر وكان أحدا ما يرتاح كثيرا لجعل الاتهامات بتلقي التمويل الأجنبي معلقة لأجل غير مسمي، لا هي مؤكدة ولا هي كاذبة!

ويظل المنسوب لهم تلقى التمويل الأجنبي أحرارا ومنطلقين في تأدية أدوارهم المعتادة ولكن بفاعلية وبحماس أقل، ويبدو الأمر-بحسب محللين- وكأنه قُصد "كسر أعينهم" أو إشعارهم بأنهم قاب قوسين أو أدنى من السجن!.. ويذهب محللون آخرون إلى أن القول بأن لجوء الدولة إلى الإغلاق المؤقت لقضايا التمويل الأجنبي دون سقف زمني، إنما قُصد به الدول والجهات المانحة أو الممولة!

والحقيقة ورغم اني لا أستطيع نفي أو تأكيد أي من المقاصد التي يراها كثيرون من تعامل الدولة من قضايا التمويل الأجنبي، إلا أني لا أستطيع في ذات الوقت تجاهل كل هذه التحليلات والتبريرات المتوقعة من المتابعين حول الدوافع الحقيقية لطريقة التعامل الحكومية مع هذه القضايا.

ولكن.. وعملا بمبدأ البحث عن حل خارج الصندوق.. أقترح مخلصا على الدولة وعلى الناشطين الراغبين العمل في مجال حقوق الإنسان، أقترح أن تسعي الدولة وبخطى سريعة إلى الإعلان عن نيتها في منح تمويل خاص لجمعيات حقوق الإنسان الراغبة في تقصي وتتبع أي تجاوزات تقوم بها أي أجهزة تابعة للدولة وخصوصا الشرطة، وأكمل وبمنتهى الجدية، وأن تقوم تلك الجمعيات بتنفيذ كافة البرامج الكفيلة برفع الوعي السياسي والديمقراطي، وكل الأهداف التي تمولها الجهات الأجنبية، في ذات الوقت وبمنتهى الجدية أطالب الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان بأن تتقبل الدخول في نطاق تلك المنظومة التي تمولها الدولة للارتقاء بحقوق الإنسان في مصر.

أكرر هذا اقتراح جدي جدا.. وأتمنى أن يتعامل معه الجميع تعاملا جادا، هذا إن كان الهدف هو حقوق الإنسان المصري وليس شيئا آخر!!
الجريدة الرسمية