الناس وغلاء المعيشة
كلنا نكتوى من غلاء الأسعار والتي لا تتناسب بالقدر الكافى مع دخول معظم الناس، ولكن هذا الغلاء لن يتوقف ولن يكف الناس عن الشكوى، ثم يعقب الشكوى حالة من الركود، ثم يعقب الركود حالة من الترقب ثم اعتياد الناس وتوافقهم مع هذا الغلاء.
فقد زاد سعر البنزين أضعاف خلال فترة قصيرة من الزمن من ثمانين قرشًا إلى ما يقرب اليوم من ثلاثة جنيهات للتر، ولم يكف الناس عن شراء السيارات الجديدة الغالية، ولم تتوقف سوق السيارات المستعملة رخيصة الثمن ولم ولن يحارب الناس الغلاء بالاستغناء عن بعض الأشياء ولم تتوقف حركة السير..
فأتذكر عندما تظاهر الناس إبان عصر الرئيس الراحل أنور السادات عند ارتفاع أسعار اللحوم لجنيه للكيلو عندما كان يباع في المجمعات الاستهلاكية بثمانية وستين قرشًا للكيلو وعند محال الجزارة بما يقرب من مائة وعشرين قرشًا، ولكن اعتاد الناس على هذا حتى وصل كيلو اللحمة اليوم إلى ما يقرب من مائة جنيه اليوم وستزيد قريبًا ولم يستغن الناس عن أكل اللحوم..
والناس تشتكي الفقر والعوز وأولادهم يحملون تليفونات محمولة على أقل تقدير بألف جنيه للمحمول الواحد..
والحكومة التي تأتى لتشجع استيراد البضائع الرخيصة من الصين لمحاربة غلاء الأسعار هي كمخــدر مؤقــت لتسكين شكوى الناس، ولكنه على المستوى القومى هو هدم للصناعة المصرية وهــدم لقيمة الجنيــه المصرى..
والآن الناس تشتكى من فواتير الكهرباء وفواتير المياه ورغم كل ما يسمعونه عن حصة مصر من المياه وســد النهضة وغيرها لم يتغير أسلوب استهلاك المصريين ولا عاداتهم، ولكن تظــل الشكــوى والأنين محملين الحكومة مسئولية الحل..
وأعتقد شخصيًا وأنا أعرف أن هذا لا يروق لكثير من الناس بأنه لابد إذا أردنا الحل لابد من تغير أنماط السلوك المصرى وهو الحل الذي فعلته كثير من الدول الكبرى مثل اليابان والصين وكوريا وغيرها من الدول كانت هذه الدول شعبا وحكومة في خندق واحد.
أما نحن ففى حالة من الضبابية والشك بين الناس والحكومة في كل شىء، وهذا ليس دفاعا عن الحكومة، ولكن هي المسئولية المشتركة ما بين الشعب والحكومة.. وهى حالة عدم تصالح وعدم رضا ولم ولن يخرج الناس للتظاهر مادامت الأمور تسير بطبيعية والناس تعمل وتحاول إيجاد حالة من التوافق بين الغلاء وزيادة دخولهم وزيادة إنتاجهم والحكومة تسير في إيجاد مشاريع قومية كبرى لا يستشعرها المواطن مباشرة، ولكنه تعود عليه في صورة استقرار..
نعم هناك لامبالاة في الجهاز الإدارى للحكومة وتخبط في قراراتها ومازلنا لم نستطع وضع استراتيجيات ثابتة مستقبلية، ولكن بنظرة ثاقبة لكل الأمور حولنا نستطيع أن يصل لقلوبنا الطمأنية على مستقبل مصر وأمنها في كل نواحى الحياة، وكم من دول انهار اقتصادها وانهارت عملتها لم ينهار شعبها ولم يتركوا الأرض وعادت هذه الدول أقوى مما كانت وغيرها في طريقها لتعود قوية..
ورغم كل هذا ورغم ما يحاول البعض تصديره لنا من صور سلبية فإننى متفائل إلى أبعد الحدود لأننى قرأت تاريخى بالفعل وخرجت منه بأن دوام الحال من المحال.
ولا يعتقد البعض أنى راضٍ عن أداء الحكومة بموظفيها ولا راضٍ عن بعض عادات وتقاليد أبناء وطنى ولا راضٍ أيضًا عن سلوكيات أنا نفسى أرتكبها بحكم الاعتياد ولكن يجب أن يكون كل فرد متحملًا مسئولية نفسه أولا ثم يحاكم غيره.. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وأنا متفائل أن التغير قادم ونحن في الأمام وليس للخلف.
وأختم مقالى بهذا البيت من الشعر الذي ما أن قرأته دبت الطمأنينة بقلبى
لرب ضائقة يضيق بها الفتى زراعا
وإن الله منها المخرجُ
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت
وكنت أظنها لن تفرجُ
ولنا الله ولك الله يا مصر حماك الله ورعاك