رحلة الجنسية الفرنسية
على مدخل باب وزارة العدل الفرنسية بمدينة نيس تجمعٌ لوجوه مهاجرة متفاوتة الأعمار وأنا بينهم، في أيدينا استدعاء لحضور حفل تسلم الجنسية الفرنسية، طابور ثم سلالم ثم طابور آخر، نظرات متجمدة باردة من السيدة التي تستقبلنا، ربما يجول بخاطرها سؤال لِم تريدون جنسية بلادنا، نفضت عن رأسى تلك الأفكار في يوم كهذا تتضارب فيه مشاعرى بالقدر الكافى ولن أزيدها اضطرابا، رجل أمامى يقترب عمره من الستين، ترى لم يريد من في عمره الجنسية الفرنسية، تقدمنا واحدا تلو الآخر نسلم كروت الإقامة فلم نعد بحاجة إليها.
تعود بى الذاكرة سنوات إلى الخلف حين جئت من مصر إلى موناكو كان تجديد الكارت يتم بسهولة ورقى يليق بالإمارة الغنية، أذهب إلى مبنى البوليس حيث لا يوجد طابور أسلم أوراق رخصة عملى وشهادة راتبى الشهرى ووصل المياه والكهرباء وكل ما يثبت إقامتى بالإمارة ثم أدخل مكتبا آخر صغيرا مع ضابطة جميلة لتصورنى وأعود بعد أسبوع لأتسلم الكارت.
لم أفكر يوما في أن أترك الإمارة الجميلة رغم أنها لا تعطى جنسيات للمهاجرين إلا حين تقررت رحلة لأحمد ابن صديقتى المصرية إلى إنجلترا مع فصله بالقسم الدولى بمدرسته الإعدادية وكان عليها طلب فيزا له وأن تسافر من جنوب فرنسا إلى السفارة الإنجليزية في باريس في الشمال للحصول عليها وسافرت بالفعل ولكن بعد ثلاثة أشهر وقبل الرحلة لم تعد الفيزا صالحة فسافرت إلى باريس مرة أخرى، ثم جاء يوم السفر فحجزوا أحمد جانبا في المطار لمدة نصف ساعة لفحص الفيزا وجواز السفر المصرى فاتصلنا بمديرة مدرسته التي اتصلت بدورها بمدير المطار ووبخته على ما فعلوه مع طالب متفوق في مدرسة محترمة، ما تسبب في إحراجه أمام زملائه ورغم مرور الموقف وسفر أحمد إلا أن وجهه لم يفارقنى ليقينى تكرر المشهد مع ابنى حين يكبر لأنه لا يحمل جنسية أوروبية.
ثم كان سفرنا أنا وزوجى والولدين على مركب في رحلة بحرية تلف بعض موانئ أوروبا وأصر أمن المركب على الاحتفاظ بجوازات سفرنا المصرية، واعترضنا نحن نعيش بإمارة أوروبية ومعنا أوراقها الشرعية لن نهرب لأى دولة بأوروبا فلسنا مضطرين لذلك وضاعت اعتراضاتنا في الهواء، وفى برشلونة لم نكمل جولة الأوتوبيس السياحى وفرحتنا بروما كانت منقوصة متعجلين اللحاق بالقطار وشهدت شوارع إسبانيا وإيطاليا على عدونا آخر النهار لكى نكون أول العائدين للمركب خوفا من أن ترحل وتتركنا فنجد أنفسنا بلا هوية تثبت شخصيتنا لمسئولى الدولة التي نزورها.
ليلا في بلكونة كابينة المركب كانت صورة جواز السفر الأحمر تتجسد أمام عيونى على صفحة المياه كبوابة دخول كريمة لأوروبا ولهذا كان قرارنا بالانتقال من إمارة موناكو إلى دولة فرنسا وبدأنا رحلة الجنسية الفرنسية.