رئيس التحرير
عصام كامل

ويسألونك عن اقتصاد الكحول !


كان الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية يبلغ 39 مليار دولار أمريكي حتى2011.. وكان المصدر الرئيسي له هو اقتصاد الكحول أو الاقتصاد الريعى القائم على السياحة وبيع الخدمات والترفيه، وفى أقل من خمس سنين خسرت مصر ما يزيد على 22 مليار دولار وبقى 17 مليارًا فقط، قامت كل الحكومات المتتابعة باستنزافه في سد الاحتياجات اليومية بعد اندلاع الثورة خشية أن تتفاقم الأمور أكثر ولا يترك الناس الشوارع نهائيًا مهتدين بمبدأ العواطلية والسفهاء (احيينى النهاردة وموتنى بكرة) !


وقد حدث وعاش الناس يومين دون مشكلات اقتصادية كارثية مثل التي نحياها الآن والتي صنعها سفهاؤنا الذين نرجوا من الله أن لا يؤاخذنا بهم، نعم فالوطن يرتد لحاله يصعب التنبؤ بمدى سوءها وبعواقبها التي تفوق كل سيناريوهات الأجهزة السيادية والأمنية فالغلاء ينهش معظم الناس عدا الطبقة المنتفعة من كل نظام أتى على مصر ومن تبعهم من كبار موظفى الدولة والرأسماليين وأصحاب الثروات والذين لا يمثلون نسبة تذكر في شعب تعداده المعلن 90 مليون نفس في حاجة لاستمرار الحياة وليس للحديث عمن يحياها بجوارهم أو في بلاد لأخرى بينما هو محروم منها !

لا يُخفى على أحد تردي الأوضاع المعيشية لأغلبية المصريين بسبب عدم وجود عملة أجنبية تسد احتياجات شعب جعلوا منه عالة على كل بلاد الله بعدما نزُعت منه دوافع العمل والإنتاج وصُور له الكسل على أنه تقدم ورفاهية منذ عهد أنور السادات عن طريق انفتاح الحمقى الذي ضيع صناعتنا الوطنية وقضى على الزراعة التي كانت تكفى حاجة المواطنين من الغذاء، ثم تبع ذلك خصخصة شركات القطاع العام وبيع مقدرات مصر وثرواتها الأساسية في عهد حسنى مبارك واستبدال رأسمالية الدولة الوجهة برأسمالية المحاسيب والفاسدين وشركاء الكبار.. ورغم ذلك ما زال البعض يطنطن بضرورة عرض ما تبقى من مؤسسات مصر الاقتصادية في البورصة حتى يتم القضاء نهائيًا على أي ممتلكات للدولة !

لم تتعلم حكومات مصر الدرس ولم تتيقن من أن كل دولار أو جنيه يدخل خزينة الدولة في سبيله للضياع إن لم تستثمره مصر في مشروعات حقيقيه إنتاجية زراعية أو صناعية تدر دخلا سريعا وعائدا معقولا وليس في مشروعات دعائية ضخمة قائمة على الاقتصاد الخدمى والريعى والذي اكتوينا بناره لاعتماده بنسبة هائلة على حركة التجارة العالمية والمن.. ولعل تجربتنا في قناة السويس الجديدة وفى السياحة خير دليل على ذلك !

لم تستفد مصر من تبرعات دول الخليج بعد 30 يونيو، والتي بلغت مليارات كثيرة كانت كفيلة بخلق كيان اقتصادى مصرى إنتاجى متميز حيث العمالة الرخيصة الوفيرة والموارد المتاحة من بحار وبحيرات ومياه وصحراء أيضًا.. للأسف ضاع كل هذا وضاعت معه فرص نادرة للتقدم الاقتصادى والاكتفاء الذاتى في مجالات عديدة.. ولكننا لسنا في ترف الندم عليه الآن.. فقط نريد حلولا واقعية بعيدًا عن اقتصاد الكحول الذي يتاطير مع أول أزمة محلية أو دولية !

الضرورى الآن والحتمى هو البدء في الإنتاج الفعلى لمشروعات زراعية حتى نؤمن الغذاء للشعب الذي لن يصبر على الجوع، ليس من الضرورى الانسياق وراء أرقام مبالغ فيها كمشروع المليون ونصف المليون  فدان والذي هوى به وزير الرى الجدي إلى النصف وهذا أيضًا غير معقول ودعائى، فمن أين تأتى المياه لهذا العدد الضخم من الأراضى ونحن نواجه شحًا مائيًا بسبب تجرؤ إثيوبيا علينا، فقط إن بدأنا بمائة ألف فدان سيكون هذا عظيمًا جدا وواقعيًا مع مشروع مائى موازٍ كإقامة محطة تحلية عملاقة أو بناء سد صغير يمنع إهدار مياه النيل في البحر المتوسط !

الحتمى الآن هو التخلى عن الاستيراد لكل السلع التي لها بديل محلى مع قيام الدولة بالشراكة مع رجال صناعة جدد يوفرون بديلا للصين التي انتقلت لمصر !

الواجب الآن هو وقف أي عمل في المشروع الدعائى المستفز المسمى بالعاصمة الإدارية الجديدة التي لا نحتاجها والتي ستفلس مصر نهائيًا.. تخلصوا من اقتصاد الكحول فورًا واعملوا لوجه الله والوطن حتى لا تضيع كرامتنا أكثر من ذلك ونتسول دولارات من كل شعوب الأرض التي أصبحنا عالة عليها بعدما كنا مصدر غذائها !
Fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية