رئيس التحرير
عصام كامل

ابتهج.. فقد صارت عندك دولة!


في مقاطعة بعيدة من العالم.. كانت هناك دولة ذات حضارة وتاريخ.. يشقها نهر عظيم.. ويمر بجانبيها بحران من أعظم بحار العالم.. دولة عَلَّمَ شعبها العالم كيف يكتب.. كيف يزرع.. كيف يبنى هرما.. دولة كانت أول من نادى بفكرة «التوحيد».. فشهدت بشهادة كل حضارات الدنيا، ولادة "فجر" الضمير الإنسانى.. وكانت على مر التاريخ نموذجا للدولة القوية، التي هزمت بعزيمة أهلها كل أساطين الاستعمار! ورغم عظمة هذه الدولة وقوة أهلها؛ بيد أنه نادرا ما كان يحكمها أبناؤها! 

وفى يوم من الأيام استفاق بعض رجالها متساءلين: لماذا لا نحكم بلادنا بأنفسنا؟ فليس هناك منطق يبرر طاعة لمستعمر سوى "الجبن" الذي لا ينبت في أرض يُعرَف أهلها بالجبروت.. فققروا الانقلاب على الحاكم "الغريب"؛ ونَصًّبُوا أحدهم سلطانًا على البلاد!

وصَفَّقَ الشعب لشجاعة أبنائه والتف حولهم.. لكن رجال الحكم عثوا "فسادا" في الأرض!؛ حتى جاع الشعب؛ فطالبوه بالتقشف والصبر! وبعد أعوام قليلة صارت دولتهم "فقيرة" مكبلة بالديون.. حتى النهر بات مهددًا بالجفاف!

وهنا قرر الشعب الثورة على أبنائه الفاسدين وأسقط حكمهم.. وانتخب لنفسه سلطانا جديدا.. رأى أن من أولوياته تشكيل حكومة لإنقاذ البلاد.. ومن ثم فقد كَلَفَ بعض "حاشيته"، باختيار "رئيس" لحكومة الإنقاذ.. وبضمير وطنى سليم فحصت اللجنة السير الذاتية، وقررت مقابلة أفضل تسعة مرشحين..! 

وداخل أحد المعابد.. حيث كان يجلس ذات يوم "فلاح فصيح" عَلَّمَ العالم كيف يتعامل الفصحاء مع الملوك.. وكيف ينقلون للسلاطين مطالب البسطاء.. غير متملقين ولا مأجورين للوقيعة بين السلطان والشعب! استقبلت اللجنة المجموعة "الأولى" وطلبت من كل مرشح أن يتخيل أنه أصبح مسئولا.. وأثناء سيره على النهر العظيم شاهد بعضا من المواطنين يتساقط من أعلى "كوبرى" وعليه أن يضع تصورا لحماية المواطنين.. وعلى الفور أجابهم المرشح الأول بأن "المسئولية" تجعله لن يتردد في خلع ملابسه، ويلقى بنفسه في النهر لإنقاذ المواطنين.. إلا أن أحد الأعضاء بادره بالسؤال: إذن أنت خبير بفنون العوم والسباحة؟ فاجابهم المرشح: للأسف "لا"!

أما المرشح الثانى فقد أدرك أن "الوقت" هو مفتاح الحل؛ وأنه لن يترد في إلقاء نفسه في النهر دون خلع ملابسه؛ إما يُنقذهم.. وإما أن يغرق دونهم! لكن المرشح الثالث فقد كانت إجابته مختلفة، حيث أجاب بأنه لن يلقى اهتماما كبيرا بالمتساقطين، وسوف يهتم بالبحث عن "المصدر" الذي يلقى بهم في النهر! وبعد المشاورة قررت اللجنة اختيار المرشح الأول لرئاسة الحكومة، ومحاكمة "الثالث" بتهمة الإهمال في حياة المواطنين!

أما المجموعة " الثانية " فقد طالبتهم اللجنة بأن يتخيلوا أنهم صاروا "مسئولين" وأن عددا من حشرة "الجراد" بدأ يداهم الزراعات؛ وعليهم أن يقدموا خطة لإنقاذ البلاد التي توشك على مجاعة رغم الزيادة المفرطة في تعدادها؟ وأجاب المرشح الأول بأنه لا تحرك دون تنسيق مع وزارة الزراعة ومراكز البحوث الزراعية.. أما الثانى فأكد أنه لن ينتظر ما تسفر عنه اللجان، وأنه سوف يبادر بتوزيع مبيد حشرى على المزارعين!

لكن المرشح الثالث فقد افترض أن عدد الجراد لايزال قليلا؛ ومن ثم لا يمكن رصده ولا تتبعه؛ واقترح وضع خطة لحماية الجراد؛ حتى يصبح جيشا متوحشا؛ يهدد "الغذاء" في البلاد! ويبشر المزارعين بالمجاعة؛ الأمر الذي يدفعهم لمطاردته والقضاء عليه.. دون أن تتحمل البلاد تكلفة الإبادة!

فسألته اللجنة: ولكن ماذا لو انتصر "الجراد" على المزارعين.. ولم يجد ما يأكله سوى ضِعاف الشعب؟ فتبسم المرشح ثانية وقال: هذا هو الهدف.. وبه نكون قد تمكنا من تحقيق المعادلة الصعبة، بين السكان والموارد! ولكن ماذا عن مصير المسئولين في البلاد؟: فأجابهم: لا تقلقوا فلن يُحرموا من نصيبٍ أعظم في "مساعدات" الدول الصديقة! وبالإجماع رشحته اللجنة لرئاسة حكومة الإنقاذ!

وفى المجموعة الثالثة وَجَهَّت اللجنة للمرشحين سؤالا استثنائيًا، حول ما يمكن أن يفعله إذا جاؤه مواطن يشكو من ضيق العيش وزحمة السكن وصعوبة المواصلات.. فحجرة واحدة يسكنها مع أسرته الكبيرة ! فأجابهم الأول: بأنها مشكلة دولة وليست مشكلة مسئول؛ ومن ثم فإنها تحتاج إلى خطة متكاملة، يُستفاد فيها من موارد الدولة وتجارب الدول المتقدمة.. أما الثانى فقال: سأفتح بابًا للصحراء، وأُشكل لجانا لدراسة كل مشكلة على حدة، وأطالبها بحلول ناجزة! 

أما الثالث فكانت إجابته منطقية جدًا! فقال: سوف ألجأ إلى الطبيعة وأطالب المواطن بشراء"حمار " يقضى به حاجته. وإذا جاءنى يشكو الطعام.. فسوف أطالبه بشراء "بقره" وإذا جاء يشكو خوفه من سرقة بهائمه.. فسوف أصرف له "كلبًا"..ّ ! فتعجب أحد أعضاء اللجنة وتوجه إليه سائلًاً: لكن مشكلة السكن بهذه الطريقة تزداد تعقيدا؛ وسوف يأتيك ثانية شاكيًا.. فأجابهم: "أعرف" لذا سوف أنصحه بحل المشكلة على مراحل.. تبدأ ببيع الكلب وتنتهى ببيع الحمار.. وبذلك يتخلص المواطن من الأزمة! الأمر الذي دفع اللجنة إلى منحه أعلى درجات التقييم!

وبعد انتهاء المقابلات قامت اللجنة بإعداد قائمة "ثلاثية" من المرشحين لرئاسة حكومة الإنقاذ.. بواقع واحد من كل مجموعة.. وتقدمت بها للسلطان "المنتخب" مرفق بها حيثيات الاختيار.. وما إن انتهى السلطان من فحص القائمة؛ حتى أصدر "فرمانًا " بتعيين أحدهم "رئيسًا" لحكومة الإنقاذ.. والباقي مساعدين..!

الجريدة الرسمية