صمتًا..فالأزهر الشريف يتحدث (1)
عندما يتحدث الأزهر الشريف حامل لواء الفكر الإسلامي الوسطي السمح، والمحصن بحضارة وتاريخ أكثر من ألف عام في تبليغ الدعوة، منارة العلم والعلماء، قابوس الهدى وضياء الحق الساطع في عصرنا الحديث والقديم، مبلغا رسالة السلام لشتى بقاع الأرض على مر العصور والأزمان، وجب على الجميع أن يصمت وينصت متأدبا ومتفكرا ومتأملا.
إذا تحدث الأزهر الشريف وجب على الجميع أن يصمت ويستمع بوعي وإدراك لكل كلمة تأتي على لسان شيخه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب-إمام المسلمين-حديثٌ كلماته مثقالها الذهب، خُطّت بحروف من نور، تستمد قوتها من خزائن وكنوز علوم الدين السمح، وتنال حجتها من تراث العلم الزاخر بتفاسير القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وعلوم الفقه والتوحيد وقيم العدل والتسامح، كلمات مرصعة بتراث ثقافي مهيب ملأ طباق الأرض علما ونورا، حديث متصل برسالة الإسلام الأولى في عهد النبوة التي أخرجت البشرية من ظلمات الجهل والظلم وانهيار الأخلاق إلى أنوار الحق والعلم والتطوير.
أتاهم شيخ الأزهر إلى ديارهم متسامحًا، رادًا على كل إدعاءات الكذب بوصف الإسلام بدين التطرف والإرهاب، مفندًا شبهتهم المكذوبة في انتشار الإسلام بحد السيف، مُعْلما إياهم أن الإسلام هو أول الأديان السماوية التي دعت ونادت بإعمال العقل وإطلاق حرية الفكر والإبداع، ليصل الإنسان بمحض إرادته وفكره ونور بصيرته وفطرته السليمة لحقيقة الإسلام، فيسلم طواعية وبمحض إرادته دون إكراه أو إرهاب، ويصبح مسلما بشهادة ينطقها مؤمنا بوحدانية الخالق ورسالة نبيه الكريم، مذعنا بكل ما جاء به الإسلام من تعاليم وأحكام وقيم، فآيات القرآن الكريم وأحاديث النبوة المطهرة تتخذ من قول الله تعالى في ختام بعض آيات القرآن أفلا يعقلون وأفلا يتدبرون وأفلا يتفكرون، نقطة انطلاق لأي نشاط فكري أو إثبات عقلي ليصل الإنسان بذروة تأمله إلى حقيقة الأمور،عائدا إلى فطرته الإسلامية التي خلقه الله عليها.
يؤكد شيخ الأزهر في حديثه للعالم الغربي على أن الدين الإسلامي دين التعايش والتسامح والرحمة، دين سابق بدعوته لحرية الفكر والعقيدة والعلم والمعرفة واحترام حقوق الإنسان وجميع المخلوقات، دين لم يسجل التاريخ على مرور الأزمان أي حادثة اعتداء أو إكراه على الدين أو قتل نفس بغير حق. هذا الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وأنزل لهم قرآنا أعجز العالمين على أن يأتوا بمثله ودعاهم بكل ثقة إلى إثبات إدعائاتهم بالعقل والمنطق، والدليل على ذلك تواصل الاكتشافات العلمية الحديثة التي تأتي مفسرة ومؤكدة لمعاني آيات القرآن الكريم وأحاديث النبوة الشريفة، وموضحة لمغزى الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية التي اختص بها الإسلام.
تأتي كلمات شيخ الأزهر في جميع المحافل الدولية والمحلية لوضع النقاط على الحروف، وسعيا دؤوبا ومخلصا لتحقيق رسالة الأزهر الشريف في صد كل عدوان أثيم على الإسلام، وتفنيدًا علميا دقيقًا لشبهات خفافيش الظلام وعلماء الجهل والتطرف بنوعيه اللذين هم وجهي عملة واحدة: دعاة التطرف الديني الذين يتخذون من الإسلام ستارًا لأعمالهم الكريهة والدين منهم براء، ودعاة التطرف والانفلات الأخلاقي تحت مسمى حرية الفكر والإبداع في الداخل والخارج، فهؤلاء جميعا يتشربون دناءة فكرهم من ماعون واحد.
هؤلاء المرتزقة الذين علا ضجيجهم في الآونة الأخيرة قدحا في تراث العلم الديني، محاولين نشر ظلام جهلهم وضحالة ثقافتهم وحثالة أفكارهم بالتطاول على الأزهر وعلمائه. كل منهم يحارب الأزهر الشريف على طريقته ومن زاوية فكره المشوّه والمشبوه.
فدعاة الإرهاب وتجار الدين المتأسلمين؛ يتهمون الأزهر بالتفريط في الدفاع عن الإسلام من وجهة نظرهم المشئومة والقميئة، ويتهمون علماء الأزهر الأجلاء أصحاب القيمة الرفيعة والقامة العالية، بأنهم محابين للسلطان ومداهنين للسلطة الحاكمة، ويتخذون من آيات القرآن الكريم ونصوص الدين واجتهادات العلماء التي نزلت أو كُتبت في أحداث عصرها مرتبطة بوقتها، ذريعة للقتل والذبح والتخريب.
أما مدعي الدفاع عن حرية الفكر والإبداع فقد أخذوا على عاتقهم تشويه تراث علماء الدين الأوائل، متهمين الأزهر الشريف بأن مناهجه ومعاهده وجامعته التعليمية هي مصدر كل فكر إرهابي متطرف، ويدّعون كذبا وبهتانا أن مؤسسة الأزهر الشريف تقف عائقا أمام كل سبل الفكر والتطور والإبداع والتحرر الثقافي.
إن كلا الفريقين مذهبهم واحد وبضاعتهم واحدة وإن اختلف شكلها، وداعمهم وممولهم ومحركهم جهات تسعى لتصدير الصراع والتناحر والجدال والتشويه على أي حال وبأي شكل وثمن. فمن هؤلاء المرتزقة وهو تاريخهم وما حجم علمهم الضحل، الذي مهما علا كذبا وبهتانا، سيظلون أقزاما تافهين أمام مؤسسة الأزهر الشريف العريق بتاريخه وسيرته ومسيرته.
وللحديث بقية.....