رئيس التحرير
عصام كامل

مثقفون ولا مؤاخذة !

من أجل النظام

ربما تكون كلمات هذا المقال في الظاهر نقدا لاذعا لأوضاع شديدة السوء في مصر في الوقت الراهن، لكنها في حقيقتها طوق إنقاذ للنظام إن أراد أن يبقى على شعرة معاوية بينه وبين أغلبية شعبه !

وحسنًا فعل رأس النظام رئيس الجمهورية بالاجتماع أمس الثانى والعشرين من مارس، ببعض المثقفين المصريين ولكن للأسف غالبية من حضروا هم في حقيقتهم مثقفو الدولة (الرسميون) والمحسوبون على أي حاكم والذين كان يستدعيهم مبارك كلما أراد أن يجمل صورته أمام العالم أو حتى أمام الشعب متظاهرا متباهيا بأن الرجل يحترم الثقافة والمثقفين ويجل أطروحاتهم ويقدس رؤاهم الفكرية.. لكن كانت المحصلة النهائية دوما صفر.. لا شىء يتغير.. الانتخابات تُزور والاقتصاد يُدار لصالح طبقة أصدقاء وشركاء جمال وعلاء مبارك.. ثم يترك الكبار بعض الفتات للشعب علهم يحمدون الله ويشكرون الرئيس !

حتى الفتات ذهب ! 

للأسف تكاد تكون الظروف متشابهة، لكنها أسوأ بكثير من عهد مبارك، فالفتات الذي كان يحمد عليه الشعب جميل مبارك معه ذهب، فتضاعفت أسعار المواصلات والخدمات بنسب فلكية وأوشك مستوى أمان الفول والكشرى ( وجبة ستر المصريين) على الانهيار، وأصبح المواطن يخشى من إضاءة مصباح كهريى أو تشغيل مروحة وليس تكييفا حتى لا يدخل السجن بسبب فاتورة الكهرباء !

رغيف لا يكفى ! 

فقط تبقى للمواطن رغيف من الخبز الحاف أو بالأدق 5 أرغفة توفرها له الدولة اعتقادا منها أنها كل شىء.. وعلى المصريين أن يحمدوا الله على ذلك وكفى !

نسى من يحكمون أن المصريين يرون أمامهم من ينهب الملايين شهريا وبشكل قانونى، ومن يعيش في رفاهية مطلقة، ومن ينفق في سهرة واحدة ما يسد رمق أسرة كاملة لمدة عام.. ولكن للأسف لم يتحدث أحد من السادة المثقفين المنتقين بعناية عن شىء من هذا القبيل! باستثناء قلة منهم، غالبية من حضروا هم مثقفو كل العصور وكل الأنظمة ومادحو حسنى مبارك وجمال إن كان قدر له عرش مصر، للأسف هؤلاء هم من يختارهم موظفو الرئاسى للالتقاء بالرئيس الذي يسمع من سكان الأبراج العالية ولا يستمع لغيرهم من مثقفى الواقع المصرى الذين يعيشون في شوارع وحوارى وأزقة مصر المنهوبة، ولا يريدون تلميعا أو وساما أو أي (مصلحة) من الدولة، فقط يريدون للجميع أن يحيوا بكرامة وحرية وعدالة !

لذا لم يكن لهؤلاء وقع يذكر على الشارع ولم يهتم أحد باجتماعهم بالرئيس، رغم أن تلك كانت هي الفرصة الرائعة لتحسين صورة النظام الذي محي من الصورة أمثال عكاشة وغيره ممن سيصبه الدور حتما ويتطلع إلى بديل محترم يوالي النظام ويؤيده في ظروف بالغة القسوة على الشعب والنظام معا ! 

إبراهيم عبد المجيد فقط !
 
فقط من استفاد من هذا اللقاء هو الأديب الكبير المحترم إبراهيم عبد المجيد الذي لم يرتد قناعا من نفاق أمام الرئيس بل تحدث الرجل بعفويته وصدقه ونبله الذي يعرفه عنه من جلس معه، فتحدث عن القضية العبثية للطفل المصرى محمود محمد، والذي دخل السجن طفلا وخرج منه شابا بسبب تى شيرت مطبوع عليه كلمات (وطن بلا تعذيب) !

وطن بلا تعذيب.. كلمات أوجعت النظام فحبس طفلا لمدة عامين وثلاثة شهور تقريبا ولم يوجعه الفقر والظلم الحقيقى الذي يعربد في جنبات المحروسة، لم يوجع النظام مليارات مصر المهربة منذ عهد مبارك ولم يفلح في استردادها بل لم يظهر سعيا وراء ذلك ثم أوجعته كلمات من طفل ! 

كنا نريد أن يكون مثقفو الدولة على قدر إبراهيم عبد المجيد وأن تكون خيارات الدولة ناضجة وحقيقة عندما تريد تجميل صورتها بالاجتماع بالمثقفين الحقيقيين الذين لا يخشون في الحق لومة لائم ولا يبحثون عن سبوبة من الدولة والنظام لا أن تجتمع بكهنة المعبد القديم !

أخيرا،،
هي فرصة إذن أن يخرج النظام ليعلن عن عفو شامل عن كل المحبوسين في الفترة السابقة، فالحرية يمكن أن تكون بديلا معقولا عن الخبز والفقر حتى حين، النظام في حاجة لمن يصطف معه كما يقول، لكن هذا الاصطفاف لن يحدث بدون حرية وعدل... فليجرب ولن يندم ! 
fotuheng@gmail.com 
 

الجريدة الرسمية