رئيس التحرير
عصام كامل

٤٠٠% إشغال «التخشيبة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ربما تكون مقالب القمامة فيها منافذ للتهوية لا تراها كثير من مواقع احتجاز المتهمين داخل أقسام الشرطة، ولذلك طالبت منظمات حقوقية وزارة الداخلية، برعاية آدمية للسجناء والمحتجزين، وتوفير معاملة حسنة ومواجهة التعذيب بحسم.

بعدما تفاقمت المشكلات وتلاحقت الوقائع والجرائم داخل أماكن الاحتجاز، وأمام ذلك عكفت المنظمات الحقوقية على إصدار تقارير ترصد حجم المخالفات التي ترتكب في «التخشيبة»، في انتظار تحرك رسمى من وزارة الداخلية لإيقاف سيل العقوبات التي يتعرض لها كثير من المحتجزين دون وجه حق.

في تقريرها السنوى للعام الماضي، حول الأوضاع داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز، رأت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن وزارة الداخلية لا تكترث بأرواح المحتجزين، لما تشهده هذه المقار من تكدس وفساد، وعمليات تعذيب ممنهج وإهمال طبى متعمد لتتحول إلى مقابر رسمية حياة العشرات فيها مهددة بالخطر.

التقرير أكد أن التكدس داخل مقار الاحتجاز وصل إلى نسب مرتفعة ليتجاوز 300% في الأقسام الشرطية، بحسب تصريحات رسمية، مشيرًا إلى أن النسب العالية عائدة بشكل مباشر إلى سياسة التضييق التي تنتهجها الأجهزة الأمنية تجاه المعارضين من خلال سن قوانين وتشريعات تحد من الحريات وتجرم حرية الرأى والتعبير و«تشيطن» المعارضين، وتصنفهم ضمن الجرائم الأشد خطورة، حتى امتلأت بهم مراكز التوقيف والحجز، بل والتوسع في «الحبس الاحتياطي».

«المنظمة العربية» نبهت إلى أن شهر أغسطس لعام 2015، هو الأكثر حصدًا لأرواح المحتجزين، منذ عام 2013 وحتى الآن، إذ وصل عدد القتلى والمتوفين داخل مقار الاحتجاز إلى 40 محتجزًا بينهم 5 محتجزين توفوا جراء تعرضهم للتعذيب، و20 محتجزًا مريضًا جراء إهمالهم طبيًا وعدم تداركهم بالعلاج، و13 محتجزًا اختناقًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتكدس داخل أماكن الاحتجاز، إضافة إلى حالة تسمم واحدة وحالة محتجز قال الأمن إنه شنق نفسه مع وجود شبهة في تعرضه للقتل تحت وطأة التعذيب، وفقًا لتقرير المنظمة.

المنظمة الحقوقية أشارت إلى أن 19 شخصًا على الأقل من بين هؤلاء محبوسون احتياطيًا، ولم تصدر بحق أي منهم أحكام إدانة إلا أن التوسع في عمليات الحبس الاحتياطي وتحويله من تدبير استثنائى إلى عقوبة جعلهم ضمن المحكوم عليهم بالإعدام البطيء، لافتة إلى أن أجهزة الأمن قابلت شكاوى أسر المحتجزين بالتعنت التام في عرضهم على لجان طبية متخصصة، أو الإفراج عنهم بسبب أوضاعهم الصحية، أو حتى نقلهم إلى مستشفيات وشمولهم بالرعاية الصحية المتطلبة لتلك الحالات.

التقرير الحقوقي زعم أن الإفلات من العقاب «ماركة مسجلة» لغالبية رجال الأمن المتورطين في القضايا المختلفة،، حيث أكد تفشى ظاهرة الإفلات من العقاب في مختلف الجرائم التي يرتكبها موظفو الدولة وحرمان الضحايا وأسرهم من الانتصاف القانوني، إذ أصبح نهجًا ثابتا اعتمدته أجهزة الأمن لتشجيع الموظفين للمضى قدمًا في إرتكاب أخطاء غير قانونية.

المنظمة العربية لحقوق الإنسان سارعت بالتوصية في نهاية تقريرها باستحداث هيئة من الأطباء للاهتمام بأوضاع المحتجزين الصحية والعلاجية، يكون شعارها أطباء من أجل حقوق السجين والمحتجز، وتعمل على مناهضة التعذيب داخل مقار الاحتجار وتسعى إلى تحسين الأوضاع المعيشية والصحية داخل الأقسام بمساندة منظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق الإنسان.

أما منظمة الكرامة لحقوق الإنسان فوثقت 121 حالة وفاة لمحتجزين بسبب التعذيب والحرمان من الرعاية الصحية، وسوء الأوضاع المعيشية داخل مراكز الاحتجاز، خلال العام الماضي، مرجعة هذا الرقم إلى التعذيب الجسدى والنفسي، وانعدام مصادر التهوية، والتكدس وانتقال العدوى، وسوء الأوضاع المعيشية سواء كانت لضيق مساحات الزنازين وتكدسها بالمتهمين لدرجه زادت على 400% عن قدرتها الاستيعابية، أو الحالة المزرية لدورات المياه ساهمت بشكل كبير في نقل الأمراض الكبدية، والإهمال الطبى ومنع دخول الأدوية، وتم عرضها على الجهات الرسمية، لكن لم يتم معالجتها حتى الآن.

مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب رصد بدوره 125 حالة وفاة داخل أقسام الشرطة، خلال العام الماضي، كان من بينها 81 حالة إهمال طبي، و39 حالة تعذيب، و5 انتحار.
وفى تقريره السنوى للعام 2014، أكد المجلس القومى لحقوق الإنسان، وفاة العشرات من المتواجدين رهن التحقيق في مراكز الاحتجاز، مؤكدًا أن وزارة الداخلية أعلنت أن عدد الضحايا 36 شخصًا فقط، مضيفًا أن التكدس في الأقسام الشرطية بلغ وفقًا لما أعلنته وزارة الداخلية 400 %، ما يجعل الحياة داخل هذه الأماكن بالغة الصعوبة.

وتحدثت تقارير طبية صادرة عن مصلحة الطب الشرعى الرسمية عن عدد حالات الوفاة داخل مقار الاحتجاز في أقسام ومراكز الشرطة في القاهرة والجيزة، خلال الفترة منذ يناير وحتى 16 نوفمبر الماضيين، مؤكدة أنها وصلت إلى 90 متهمًا، وسجل قسم المطرية 8 حالات وفاة و6 في قسم شرطة البساتين و5 حالات بـ«الخليفة» بينهم سيدتان.
وكشف الإحصاء النهائى لتلك التقارير الطبية الخاصة بالمتهمين الذين لقوا حتفهم في مقار الاحتجاز، أن عددهم وصل إلى 90 شخصا بزيادة قدرها 25 عن العام الماضي، والذي سجل فيه 65 حالة أيضًا، ولم يذكر التقرير تفاصيل عن القتلى المحتجزين داخل أقسام الشرطة في باقى المحافظات، واكتفى بذكر محافظتى القاهرة والجيزة.

وأرجعت التقارير أسباب الوفاة إلى تكدس المتهمين داخل حجوزات الأقسام، لأن العقوبات التي تتراوح ما بين شهر إلى سنة يتم قضاؤها داخل الأقسام لعدم وجود أماكن شاغرة في السجون في ظل وجود متهمين لا يمكن حجزهم داخل الأقسام لدواعٍ أمنية، مشيرًا إلى أنّ الحجز في الأقسام لا يستطيع المتهم الخروج منه مثلما يحدث في السجون، وذلك لضيق المساحة؛ فهو يقضى عقوبته التي تتراوح من شهر إلى سنة جالسًا في غرفة ضيقة، نصيبه من مساحتها لا يتجاوز نصف متر، موكدًا ارتفاع أعداد الوفيات خلال فصل الصيف عن الشتاء، بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الأمراض بين المتهمين.

أوضحت التقارير الطبية أنه بعد فحص دقيق تبين أن حالات وفاة المتهمين داخل أقسام الشرطة غالبًا ما تكون ناتجة عن حالات مرضية أدت إلى هبوط حاد في الدورة الدموية ثم الوفاة، نظرًا للأوضاع المعيشية والصحية والتكدس وسوء التهوية، واعتبرتها جريمة قانونية يجب التحرك بشكل عاجل وسريع لعدم تكرارها في المستقبل.
الجريدة الرسمية