رئيس التحرير
عصام كامل

خواطر المثقفين


نشأت أنا وكل جيلى وهو جيل التليفزيون كما كانوا يطلقون علينا وهذا عندما كان يوجد في التليفزيون قناتان فقط يبدأ الإرسال من العاشرة صباحًا وتنتهى الثانية عشرة مساءً، ورغم ضيق الإمكانيات وقلة التكنولوجيا كان هناك برامج تليفزيونية غاية في الروعة ومتنوعة لجميع الثقافات فقد كنا ننتظر برنامج "العلم والإيمان" للدكتور مصطفى محمود حتى نتعلم ونرى ونتعجب ونفرح.. ومن كان يهوى السينما كان ينتظر برنامج "اخترنا لك" وبرامج الطفولة لنجوى إبراهيم الرائعة ومن كان يهوى البرامج الدينية فكانت متنوعة وكل هذه البرامج كانت لها مدة محددة لا تزيد ولا تنقص وننتظرها في أيام إذاعتها الأسبوعية المحددة..


هذا بخلاف المجلات العلمية الثقافية التي كانت تأتينا من دول الخليج بطباعتها الفاخرة، والتي كنا نتنفس رائحة ورقها بخلاف مجموعة "كل شىء عن" والتي كانت تصدرها مكتبة "دار المعارف" المصرية، والتي كانت عبارة عن 14 كتيبًا، كل كتيب يتحدث عن ملخص علم من العلوم كالفضاء وعالم البحار وما إلى ذلك وكنا ننتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر فبعد وجبة الإفطار العائلية الجميلة والتي يجتمع بها الأبوان والأبناء على مائدة واحدة كنا نشاهد بعدها وقبل صلاة الجمعة "عالم الحيوان"، وهو البرنامج الذي كان يشاهده جميع الأسرة بالكامل حتى برامج الأطفال كان يشاركنا في مشاهدتها الكبار..

حتى من لم يكن لديه تليفزيون أو لم ينل حظه من التعليم كانوا ينتظروننا حتى يلتفوا حولنا لنقص عليهم ما تعلمناه وقرأناه وشاهدناه فحقًا كان جيلا مثقفا..

وهو الجيل الذي عرف بحق ماذا تعنى كلمة إعلام ومواصفات الإعلامي فلا يمكن أن أقارن هذا الجيل بالسفه الذي نعيشه اليوم فالكلمات تغيرت معانيها والأفكار تلوثت، والمبادئ قد عُرضت لمن يدفع أكثر، وأصبح الكذب والخداع هو السائد والمتسيد ولا مكان ولا عزاء للشرفاء..

ولكن وسط هذا الكم من العفونة يظهر لنا رجل سعودى وهو الأستاذ أحمد الشقيرى وبرنامجه "خواطر" ليعيد لنا رائحة الزمن الجميل ويعيد لنا معنى الإعلامي المثقف وخواطر المثقفين والذين يهتمون بأن تصل خواطرهم وأفكارهم وثقافتهم للعالم أجمع لا من أجل مجد شخصى ولكن هكذا يكون المثقفون وخواطرهم.

ولكن من يعيد للتليفزيون المصرى مكانته ومشاهدينه بعيدًا عن القطاع الاقتصادى وتحكم الرعاة والإعلانات في تشكيل خطته البرامجية.

فلنا الله جميعًا.. فنحن من بقايا البقايا من أجيال ذهبت ولن تعود ولم ولن يذكرها التاريخ لأنه ما عاد هناك من يستطيع أن يكتب تاريخ العظماء وإن استمر الحال على ما هو عليه فالأجيال الحالية ستنسى ماذا يعني التاريخ..
الجريدة الرسمية