الحرب على فيروس «سي».. «ميت خاقان» نموذجًا
يعتبر الالتهاب الكبدي "فيروس سي" من أكثر الأمراض الكبدية انتشارا في العالم.. إذ تتراوح الإصابة به عالميا ما بين 130 و150 مليون شخص بحسب منظمة الصحة العالمية، وتعد مصر الأكثر إصابة في العالم الأمر الذي يترتب عليه انعكاسات سلبية كبيرة سواء صحيا أواقتصاديا أو اجتماعيا، وهو ما يتطلب جهود كبيرة للتعامل مع هذه الأزمة التي يتفاقم خطرها يوم بعد يوم.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة ووزارة الصحة إلا أن هذه الجهود تتضاءل أمام حجم وقوة المشكلة.. حتى أنها تبدو مستعصية على الحل.. وتظهر الدولة وكأنها عاجزة على التعامل تلك الظاهرة، نظرا لما تعانيه من أزمة اقتصادية بارزة للعيان.. ويبدو ذلك جليا من الطوابير الممتدة وقوائم الانتظار الطويلة وغير المنتهية من المرضى المنتظرين للعلاج.
وفي محاولة للتعامل مع هذه الأزمة بأفكار من خارج الصندوق.. قدمت بلدة "ميت خاقان" نموذجا يمكن أن يحتذى للتعامل مع هذه الأزمة.. فقد اعتادت هذا البلدة المجهولة للكثيرين والتي تقع بمحافظة المنوفية والتي يقطنها نحو 40 ألف نسمة، أن تتعامل مع مشكلاتها واحتياجاتها بأسلوب متميز ومختلف يقوم على المشاركة الاجتماعية.
أحدث هذه الصور التعامل مع مشكلة الالتهاب الكبدي المعروف بـ"فيروس سي"، من خلال مبادرة "ميت خاقان خالية من فيروس سي"، وقد بدأت المبادرة بطرح من الدكتور محمود علام الأستاذ بالمعهد القومي لأمراض الكبد بجامعة المنوفية وأحد ابناء ميت خاقان، ذلك الطرح الذي تفاعل معه ايجابيا عدد من الأطباء بمعهد الكبد من أبناء البلدة الذين ابدوا رغبتهم في تقديم نموذج طيب للتعامل مع هذه المشكلة.
وعلى غرار نماذج سابقة، جرى الاتفاق بين المجمع الطبي بالبلدة والذي يشرف عليه أيضا الدكتور محمود علام ومؤسسة ابن الخطاب للأعمال الخيرية برئاسة الحاج صلاح خطاب التي تبنت المبادرة وتم اعداد مخطط علمي ومالي للمبادرة.
ووفق المخطط فقد تم تفسيم البلدة إلى 20 منطقة جغرافية، وإعلن عن بدأ التحليل المجاني بالمجمع الطبي يوميا، ويجري تسيير قوافل طبية بالمناطق الجغرافية والانتقال من منزل لمنزل للحصول على عينات للتحليل من مختلف الأعمار وبالمجان.
وخلال أسابيع قليلة، أجري التحليل لنحو 5 آلاف و153 شخصا، وكانت المفاجأة للفريق الطبي ثبوت إصابة 611 شخصا بنسبة 12%، وكان الفريق الطبي يراهن على ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي، ويتوقع إلا تزيد نسبة الإصابة عن 5 – 6%، واذا تم تعميم هذه النسبة فإنه يعني أن مصر بها أكثر من 10 ملايين مصاب بفيروس سي، على أقل تقدير بكل ما يحمله هذا الرقم من تبعات على مختلف المستويات.
وبالفعل تم البدء فعلا بعلاج 285 مصابا، ويتوالى إجراء التحليلات والفحوصات الطبية للمصابين استكمالا لتلقي العلاج، وقد تمكن القائمين على المبادرة من توفير دفعة أولى من العلاج بقيمة 210 آلاف جنيه، بعد حصولهم على خصم كبير للكمية لوفيرها للمرضى، وتحمل مؤسسة ابن الخطاب عن غير القادرين.
نجحت المبادرة في حشد الآلاف، من خلال اللقاءات في المساجد والكنيسة والمدارس والزيارات المنزلية والندوات وتنظيم القوافل المجمعة، ما خلق وعيا ثقافيا متزايدا بمخاطر هذا الفيروس وتبعاته وطرق الوقاية منه ومحاصرته.
الأمر بالغ الأهمية أنه تولد قناعة قوية لدى المواطنين بأن العلاج لا يستهدف المصابين فقط على الرغم من أهميته، وإنما يستهدف أيضا محاصرة الفيروس وعدم انتشاره.. ووجود اعتقاد بأنه إذ لم يتم القضاء عليه فإن نسبة الإصابة ستتضاعف وتصيب الأبناء والأحفاد وهو ما خلق مسئولية مضاعفة لدى الجميع وخلق حافزا للتعامل بإيجابية مع المبادرة التي انضم لها العديد من الشباب تطوعا.
تجربة تعامل "ميت خاقان" مع تلك المشكلة وغيرها من المشكلات يمكن أن تكون نموذجا يحتذى في التعاون بين أصحاب العلم والمال والهمة للتعامل مع المشكلات ومع مختلف القضايا وتعويض أي تقصير من مؤسسات الدولة وتحفيزها على المشاركة مع المجتمعات للتصدي لتلك المشكلات.