مشاهد برلمانية
أشرنا في مقال، يوم الأحد الماضي، إلى أن مجلس النواب تحوَّل خلال الخمسين يومًا الماضية إلى ساحة لتصفية حسابات قديمة بين النواب وبعضهم ما أدى إلى استقالة أول نائب في "أول المشوار".. ولم تمض 72 ساعة إلا وقام المجلس في جلسة وصفت بالتاريخية واستمرت خمس ساعات؛ بإسقاط عضوية النائب المثير للجدل والقلاقل حسب كلمات عدد من النواب، بموافقة 465 نائبًا ورفض 16 وامتناع 9، في حين تغيب 106 نواب عن الحضور، أي بنسبة 95% من الحاضرين و78% من جملة الأعضاء.
وكان مجلس النواب قد قرر سابقًا حرمان هذا النائب من حضور عشر جلسات لتجاوزه مع رئيس المجلس، فضلًا عن تجاوزه في حق النواب ومؤسسات الدولة على القنوات الفضائية كما جاء في قرار الحرمان، في الوقت الذي لم يتخذ فيه المجلس أي قرار حتى الآن مع نائب آخر رفع الحذاء تحت القبة وضرب به زميله مهينًا إياه والبرلمان كله.
ونشير في هذا الصدد إلى تصريح للدكتور محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، الذي قال فيه إن هناك عوارًا من الناحية الدستورية والقانونية في إجراءات إسقاط عضوية هذا النائب، رغم عدم التعاطف مطلقًا مع نزعته الاستعراضية وسبه للآخرين.
وفي الحقيقة، نحن لا يشغلنا هذا النائب أو ذاك بقدر ما يشغلنا أداء البرلمان بشكل عام، وما تؤرقنا إلا هذه المشاهد والصور التي نتابعها وتتوالى على أبصارنا من تحت القبة.
لقد شعر المرء أن هناك اتجاهًا قويًا لتكوين "أغلبية ساحقة ماحقة" تحت القبة ستؤدي دون أدنى شك إلى ديكتاتورية الأغلبية، لسحق أي أقلية عددية أو فكرية أو ذي رأى مختلف أو رؤية متباينة، ولن تتيح الفرصة للمعارضة أو تحترم الرأى الآخر.
إن الإسراع أو التسرع في قبول استقالة نائب في "أول مشوار" البرلمان وإسقاط العضوية عن نائب آخر بالأمس القريب، يكشف أن البرلمان يُظهر "العين الحمراء" لكل نائبٍ تسوَّل له نفسه تحت القبة أو خارجها، الشطط أو الانحراف عن أهداف ورغبات وأمنيات المجلس.
إنه حتى الآن وبعد مرور شهرين على انعقاد أولى جلساته، لم ينته البرلمان من إنجاز لائحته الداخلية وتشكيل لجانه. فمتى يتفرغ لمهامه الرئيسية في الرقابة والتشريع، ومتى يبدأ في مناقشة ودراسة الهموم الوطنية والقضايا الجماهيرية ووضع الحلول لها وفي مقدمتها قضايا التعليم والصحة وزيادة السكان.
وأخيرًا.. لقد أكد رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال، أن أحدًا لن يستطيع اختطاف البرلمان، وأن هناك فخًا يُنصب لهذا المجلس.. بيد أننا نحن المواطنين نؤكد دعمنا القوى والكامل لهذا البرلمان -إحدى السلطات الثلاث في البلاد- ونأمل أن يُعبّر مجلس النواب عن واقع وآمال وطموحات الشعب، وأن يعمل على تحقيقها.