رئيس التحرير
عصام كامل

ثقافة الطابور


تعتمد الشعوب في التنمية على النظام، وهذا النظام نراه في الأمم المتحضرة بتكوين طابور في أي مكان ليعتمد على التنظيم الذاتي للفرد وسط الناس، حيث يصطفون دون رقيب، احتراما للدور، وهم راضون مهما كان هذا الدور سيكلفهم وقتا وجهدا.


لا أنسى أنني، في بداية خدمتي كمصرفي، كنت في مأمورية للبنك في مدينة الغردقة، لأحل محل زميل قام بإجازة سنوية، وكان ذلك عام 1997، وكان البنك له مقر في أحد الفنادق في المدينة، وكنت في مكتبي الساعة 9 صباحا، في مقر الفندق وجاء أحد الأصدقاء والمكتب خالٍ وجلس معي نتحدث ولم يدخل المكتب أحد من الساعة 9 حتى 9 ونصف، ثم بدأت أسمع أصواتا تتحدث في الخارج، واعتقدت أنهم جروب من السائحين ينتظرون مرشد المجموعة لرحلة سياحية، ونظرا لأن صديقي كان ظهره إلى الباب وكان منهمكا في حكاية قصة طويلة لم يلاحظ ذلك إلا أنه مع توقفه عن الحديث لحظات سمع السائحون يضحكون ويتكلمون دون حتى أن يظهروا ضيقهم بما يرونه من تأخر الخدمة، وظاهر للعيان أن الضيف ليس عميلا وإنما كان صديقا.

عندما انتبهنا للأمر، خرجنا لنجد طابورا طويلا قوامه 40 فردا في صف بجانب الجدار، حتى لا يسببوا ضيقا للمارة، وأتذكر كم كنت في غاية الأسف لتأخري عن تقديم الخدمة في وقتها وسعادتي أني وجدت هذه الصورة التي أتمنى أن أراها يوما ما في بلادنا.

الطابور عندنا يبدأ رائعا حتى يصل إلى أكثر من ثلاثة، ينتشر الناس حول الشبابيك عرضيا وليس طوليا، كلهم يتحدثون إلى الموظف، ولا يعلم الموظف من يخدمه أولا، إذ إن الأولوية لمن يرفع صوته أو لمن يدخل يده إلى مكانه ويدفع بالأوراق في وجهه، والمهم أن يستجيب للجميع، وهم للأسف لا يراعون الترتيب.

في أي مصلحة، أرجو أن ننظر إلى الموظف على المكتب أو على الشباك، ونحكم بكل حيادية هل من يلتزم الطابور سيخلص أوراقه أم أنه سيبقى في الطابور إلى حين انتهاء ساعات العمل.

للأسف، على المواطن أن يفعل مثلما يفعل الآخرون حتى يجد مكانا وسط الناس ليسمعه الموظف، وللأسف الموظف لا يمكنه سماع أحد لأن الكل ينادي، وهو لا يمكنه التركيز أبدا وسط الضوضاء التي تخنق العمل.

أتمنى أن يصطف الناس أمام الموظفين طوليا، وراء بعض، وليس عرضيا، وأن يحترموا ثقافة الطابور التي لو تعلمناها فإننا سنكون على أول طريق النظام.

الجريدة الرسمية