رئيس التحرير
عصام كامل

المسمار الأخير في نعش الجامعة العربية


إذا صدقت التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن اختيار مصر وزير خارجيتها الأسبق أحمد أبو الغيط، ليكون مرشحها لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفًا للأمين الحالي الدكتور نبيل العربي، والذي تنتهي مدته القانونية مطلع شهر يوليو المقبل.. فإنني أعتقد أن مصر بذلك تدق المسمار الأخير في نعش الجامعة العربية، وتطلق رصاصة الرحمة عليها.


فقد مرت السياسة الخارجية المصرية بأسوا مراحل تاريخها وبشهادة عدد من الدبلوماسيين خلال تولي أبو الغيط لمنصب وزير الخارجية، حيث تراجع الدور المصري في كل الدوائر بشكل غير مسبوق، وسُحبت أغلب الملفات إن لم يكن كلها من وزارة الخارجية لتتولى إدارتها المخابرات المصرية بعد فشل أبوالغيط الذريع في إدارتها.

وانتهجت مصر سياسة الانكفاء على الداخل وانسحبت من مختلف الدوائر الحيوية للأمن القومي المصري.. وأصيبت السياسة الخارجية بالجمود الفكري.. وغلت أيدينا وانحرف الأداء الدبلوماسي عن مساره الصحيح.. فتراجع دور القاهرة بشكل مهين وغير مسبوق واهتزت صورة مصر الخارجية بشدة..

بل إن وزير الخارجية سامح شكري أكد في كلمة له العام الماضي أمام المؤتمر السنوي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن ما شهدته الساحة الإقليمية من تزايد حدة التدخلات الخارجية في المنطقة قبل 25 يناير وبعدها كان نتيجة لغياب دور إقليمي عربي قوي بقيادة مصر بعد تراجع الدور المصري لسنوات، مشددا على أن الانكفاء ليس خيارا.. وأن المصلحة الوطنية تفرض علينا دوما انتهاج سياسة خارجية نشطة لتأمين مصالحنا الحيوية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا اللجوء دائمًا في اختيار القيادات الدبلوماسية إلى "مقهى المعاشات" فمنذ ثورة 25 يناير وحتى الآن ومن يتتبع وزراء الخارجية الذين تناوبوا على ولاية هذا المنصب جميعا تم استدعاؤهم بعدما أحيلوا للتقاعد، حتى الدكتور نبيل العربي، الأمين العام الحالي للجامعة العربية، كان قد استدعى بعد تقاعده لتولي وزارة الخارجية، فهل نضب معين الدبلوماسية المصرية التي كثيرا توصف بأنها الأعرق بالمنطقة والقارة في أن تقدم لنا كفاءات شابة ناضجة قادرة على إدارة دفة السياسة الخارجية المصرية، أم أن دبلوماسيينا لا ينضجون إلا بعد التقاعد.

وإذا كانت هناك حكمة لا نعلمها من وراء استدعاء الدبلوماسيين المتقاعدين لشغل مثل هذه المناصب المرموقة، فإني أتصور أن أبو الغيط الذي أضعف الدبلوماسية المصرية خلال فترة تكليفه بإدارتها حتى باتت تعاني الشيخوخة وقلة الحيلة ليس بالاختيار الأفضل لينوب عن مصر في إدارة الجامعة العربية، إلا إذ كان ذلك في إطار الاعتذار الضمني من القيادة السياسية لنظام مبارك تمهيدًا لتقديم اعتذار صريح لهذا النظام الفاشل.

من المؤكد أن هناك كثر أفضل لتولي هذا منصب، وإذا كان لابد أن يكون متقاعدًا، فلماذا لا يُطرح اسم دبلوماسي مثل نبيل فهمي، وله تاريخ دبلوماسي طويل، وسبق أن شغل منصب وزير الخارجية، بعد أن تم استدعاؤه هو الآخر من "مقهى المعاشات".

ربما مشكلة فهمي تكمن في أمرين، الأول أنه يمتلك قدرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق، والأمر الثاني أنه يتمتع بشخصية مستقلة، وهو ما يجعله غير مرغوب فيه، فالبعض يفضل الدبلوماسي أو الوزير بدرجة "سكرتير" والذي لا ملك سوى ترديد عبارة "تمام يا أفندم".. وأتصور أنه ربما يكون هذا هو سبب الإطاحة به من وزارة الخارجية.

وعلى مصر أن تكون مستعدة بالبديل الكفء لأبوالغيط إذ أتوقع ألا يكون مرحبًا به عربيًا وأن يتكرر سيناريو مصطفى الفقي في الدورة الماضية، وسيكون تدوير المنصب هو السيف الذي سترفعه دول عربية في وجه ترشيح أبو الغيط.. هذا إن صدقت التسريبات وأتمنى ألا تصدق..
الجريدة الرسمية