رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام.. وحجارة السيد المسيح !!


يقال إن مجموعة من البشر جاءوا بسيدة أو فتاة إلى السيد المسيح عليه السلام، طالبين إقامة الحد عليها ورجمها وقالوا إنهم ضبطوها متلبسة بالزنى، فرد عليهم السيد المسيح عليه السلام قائلا: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"، فانصرف الناس جميعًا وغادروا المكان، ووجد السيد المسيح نفسه وحيدًا في مواجهة السيدة المتهمة، فقال لها من إذًا يدعي عليكي الآن بعد أن غادروا، فقالت: لا أحد.. فرد المسيح قائلا: ولا أنا أستطيع أن أدينك، وأمرها بالانصراف !


ورمزية هذه الحكاية تكمن في أنه يجب علينا ألا ننصب من أنفسنا حكامًا أو أوصياء على الناس وألا ندعي أننا الوحيدون الشرفاء والباقون غير ذلك!

الحقيقة إنني لا أعلم السبب الذي جعلني أتذكر هذه الحكاية، بنما أنا أتأمل وأتابع أحوال الإعلاميين والإعلام المصري!

فعندما تتابع الكثير من الإعلاميين تلاحظ أن الجميع لديه "مستمسكات" على الجميع، والجميع لديه ما يدين الجميع، والجميع لديه ما يؤكد أن الجميع متورطون في وقائع مشينة أو عملاء ومأجورون أو خونة !

الأزمة الحقيقية أن كل أولئك المشتبه بأمرهم لم يفعلوا كما فعل أولئك الذين طالبوا السيد المسيح برجم المرأة الزانية، لم ينصرفوا "مكسوفين" عندما نهرهم السيد المسيح وقال لهم قولته الشهيرة "من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"، إخوانا البعدا اختاروا سلوكا مغايرا تماما، وبدلا من الكسوف والاعتزال والانصراف، انبروا في معارك ضارية لنشر فضائح للآخرين، الذين بادلوهم نشر فضائح مماثلة!

لقد تابعتنا على مدى الأشهر الماضية مسلسلات غريبة من الاتهامات والاتهامات المضادة والتهديدات والتهديدات المضادة من إعلاميين يحسبون أنهم كبار، ويحسبون أنفسهم ضمن الطلائع التي خرجت في الثلاثين من يونيو والخامس والعشرين من يناير وقاموا بثورتين أطاحت إحداهما بنظام مبارك الذي دام ثلاثة عقود، والأخرى أطاحت بنظام الإخوان الذي كان يتأهب لحكم مصر لعدة قرون !!

الأمر المخزي أن الاتهامات والاتهامات المتبادلة بين أولئك الإعلاميين ليست متعلقة بأفكار أو توجهات سياسية لدى البعض من أولئك، إنما المحزن أن تلك الاتهامات كلها ترتبط وتتعلق فساد كبير جدًا وبمشاركة كثيرين من أولئك الإعلاميين في عمليات تمكين لرجال مال وأعمال ليستمروا في دائرة الضوء ولتتواصل سيطرتهم على بعض مراكز السلطة في مصر، كما كانت الأوضاع قبل الثورتين!

الأمر المحزن الآخر، أن كل المشاجرات والفضائح التي شهدناها وتابعنا تفاصيلها المخزية بين إعلاميين، انتهت جميعها نهاية واحدة.. انتهت بالصلح!

لم يغضب أحد من أولئك مما لحق بسمعته أو بكرامته أو بنظافة يده، كل سعي إلى زميله وتبادلا القبلات والأحضان.. والمثير أن كل جلسات الصلح كان ينظمها إعلاميون آخرون، وسرعان مما تبدلت الأمور والمواقع خلال الأشهر الماضية، ورأينا من كان داعيًا للصلح في السابق متشاجرًا مع زميل إعلامي آخر، وتجده يتلقى دعوة من ثالث للصلح !

الحقيقة إنني لا أبالغ إذا قلت إنني وأنا واحد من العاملين بهذه المهنة ومنذ أكثر من ثلاثة عقود لا أستطيع تصور حجم كل هذه التجاوزات التي وقعت أو شارك فيها إعلاميون أو صحفيون!
الجريدة الرسمية