رئيس التحرير
عصام كامل

عمر وزمن اللاحكمة "1"


عندما تضيع الحكمة فى زمن اللاحكمة، فنحن أمام أمرين إما أن نكون كالقطيع نسير وراء ألسنة تأخذنا إلى الهلاك دون أن نسأل إلى أين نحن ذاهبون، ظنا منا أن أصحاب هذه الألسنة أهل ثقة أو بمعنى أدق "نخبة لا تنطق عن الهوى"، أو نغمض أعيننا ونسرح قليلا ونعود إلى الوراء.. نعود لتاريخ صنع لهذه الأمة مجدا أضعناه، وعزا فقدناه، وحكمة تاهت عنا، علينا البحث عنها فنحن أحق بها.
 
وفى وسط الأزمات السياسية التى تعصف بمصر، أبدأ كتابة سلسلة مقالات اخترت لها عنوانا "عمر وزمن اللاحكمة ".. أتحدث فى كل واحدة منها عن مقولة واحدة لفاروق الأمة، لأضعها أمام من يهمه أمر هذا البلد، فمن غير عمر بن الخطاب يعلمنا كيف قاد أعظم دولة فى التاريخ؟، من غير هذا الرجل الذى صاحب رسول الله وتعلم منه يرشدنا إلى العدل والتوافق والقوة واللين وحب الوطن؟، من غيره نستطيع أن نقول له الآن عدلت فأمنت فنمت"؟.
وقف عمر ذات مرة فى المدينة، مناديا: "أيها الناس من كان منكم من قريش فليسمع.. لقد بلغنى أنكم تتخذون مجالس فيختص أحدكم بمجلسه أصحابه وشيعته حتى ليقال هذا من جلساء فلان من صحابة فلان، فكل يبرم مع عصبة مجلسه.. وإنى لأخشى من مضض هذه السنة أن يتدابر الناس ويتقاطعوا شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، فإذا وقع فى المسلمين أمر أو نازلة تعمهم انصرف كل إلى عصبة مجلسه يتمالأ معهم على رأى.. وأيم الله إن هذا لسريع - أى طعن - فى دينكم.. سريع فى شرفكم .. سريع فى اجتماع أمركم وذات بينكم.. ولكأنى بمن يأتى بعدكم يقول هذا رأى فلان، وقد قسموا الإسلام أقساما وما هى حتى يستعلى الخاصة على العامة -"النخبة على الشعب"- فنرجع بالناس سيرتهم الأولى فى الجاهلية".
 
أستطيع أن أقول الآن إن ماخشيت منه  يا عمر قد حدث بالفعل ، عندما تحدث أى أزمة فى مصر، هذا الحزب يسارع بمؤتمراته واجتماعاته وأنصاره فى نهش جسد مصر، متنافسا فى ذلك مع حزب آخر أيضا بأنصاره واجتماعاته ومؤتمراته، "كل ينصرف إلى عصبة مجلسه"، حتى وإن اعتدى شخص على شخص أصبحنا نقول "واحد من أنصار فلان اعتدى على آخر من أنصار علان".. تدابر الناس ياعمر وتقاطعوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.. استعلت النخبة على الشعب.. ديكتاتورية الأقلية أصبحت سمة مصر الثورة. قد يسألنى البعض: "ماذا تريدين؟"، أقول له: لو كان الأمر بيدى لألغيت هذا التعدد الحزبى، يتهمنى فى ذلك من يتهمنى بالتخلف والرجعية، سألغى هذه الأحزاب التى قامت على أساس خاطئ، حتى يظهر جيل جديد يعرف قيمة الحوار وليس الإقصاء.. جيل يعرف المعارضة التى تبنى لا التى تهدم، بعدها نبدأ التحدث عن التعدد الحزبى الذى يصب فى مصلحة الوطن، لا الذى ينظر لمصر على أنها "تورته" يحاول الكل الحصول على أكبر قطعة ممكنة منها.. البرادعى يحشد على تويتر.. وصباحى ينزل التحرير يطالب بإعادة انتخابات لم ينجح فيها.. وفلول ينتقمون.. وقضاة يتذمرون.. وبلطجية يسترزقون.. وإعلاميون يثرثرون.. ورويبضة يتحدثون.. ودعاة فتنه يفتون.. ولكننا نحن المصريون مازلنا للأمل منتظرون.
الجريدة الرسمية