شجاعة الرجل وتخاذل الآخرين
ليست من "هوايات" كاتب هذه السطور، الكتابة عن الأشخاص بقدر ما تعنيه هموم الوطن وقضاياه ومشكلاته، وطموحاته وآماله وأمانيه، بيد أن هذا الرجل فرض نفسه -منصبه وشخصه، بأقواله وأفعاله- علينا خلال الشهور والأيام الماضية.
يخوض هذا الرجل د. جابر نصار، أستاذ القانون الدستوري ورئيس جامعة القاهرة، حربًا ضروسًا ضد الإرهاب والتخلف والرجعية، ويسعى بكل الجد والجهد إلى إعادة الحياة الجامعية إلى مسيرتها الصحيحة، ويعمل على انتشال الجامعة -جامعته على الأقل- من التدهور الذي أصابها منذ عقود عديدة، والارتقاء بها لمصاف الجامعات الكبرى في العالم.
ويخرج الرجل من معركة إلى أخرى بكل الشجاعة والقوة والعزم، لمواصلة حربه حتى النهاية، رغم التهديدات التي يتلقاها من قِبل أولئك الذين يريدون العودة بنا إلى عصور الظلام ويعملون على إظلام حياة المواطنين والمجتمع برمته، ورغم تخاذل الآخرين القابعين خلف المكاتب طلبًا للراحة و"عدم وجع الدماغ"!
لقد اتخذ د. جابر نصار قرارات عديدة ونفذها على أرض الواقع منذ توليه رئاسة جامعة القاهرة في يونيو 2013 لإعادة الدور الحقيقي للجامعة، وكان أحدث قراراته منع النقاب بالنسبة لطبيبات وممرضات مستشفيات جامعة القاهرة بعد تأييد محكمة القضاء الإداري في 19 يناير الماضي قراره السابق بمنع التدريس بالنقاب في كليات الجامعة.
وقبل ذلك قرر إقامة الصلاة في مسجدٍ واحدٍ كبير بديلًا عن الزوايا المتعددة في أرجاء الجامعة، وقام باستقدام كبار الفنانين والموسيقيين لإحياء الحفلات الفنية الراقية، ودعا المفكرين والمثقفين لتنشيط التواصل وتبادل الرؤى مع الطلاب، وقرر تنظيم المسابقات الثقافية لتفعيل الدور التنويري بين الطلاب وتشجيعهم على القراءة والتفكير والبحث والتحليل.
غير أن ما يؤسف له، فإن الرجل يكاد يقف وحيدًا في ساحة المعركة -إلا قليلًا من بعض المثقفين والإعلاميين والصحفيين- دون مساندة من الدولة ومؤسساتها المختلفة التي تخشى أن تصدر قرارًا بمنع النقاب في كل مؤسسات وهيئات وأجهزة الدولة وعلى وجه الخصوص ذات الأهمية والحساسية الخاصة، في وطن يعاني فيه من الإرهاب في الداخل ومن مؤامرات الخارج، ويعج بكل ألوان الطيف ويختلط فيه الحابل بالنابل.
ومما يُحِزن النفس، أنه في الوقت الذي نسعى فيه للارتقاء بالإنسان المصري –دينًا وخُلقًا وسلوكًا– تتعالى أصوات المستنكرين والرافضين قرار حظر ارتداء النقاب والزعم بأنه لمحاربة الالتزام في المجتمع وسط صمت مطبق من المؤسسات المنوط بها تحرير الفكر وتجديد الخطاب الديني!
وأخيرًا.. لقد نقدنا وانتقدنا جُل الحكومات السابقة التي جاءت بعد ثورة 25 يناير 2011 والتي لا أتذكر عددها، وأكدنا ترددها وارتعاشها، وأعتقد أن مصر، البلاد والعباد، كُتب عليها "الحكومة" التي تتلقى التعليمات من الرئيس.. رئيس الجمهورية.