رئيس التحرير
عصام كامل

الكاتب العراقى جبار ياسين: رحل صدام الديكتاتور وما زالت بلادى غارقة في الصراعات

فيتو

  • الذاكرة التي حملتها من العراق ساهمت في التخفيف من عناء المنفى
  • "الغريب الأبدي" هو عنوان الفيلم الذي انتجه وأخرجه عني
  • كتاب "على ضفاف الجنون" هو أفضل أعمالي الشعرية 
  • ثقافة العراق مهشمة وجذورها ضائعة 
  • المنفى ولادة قاسية بلا أم 
  • الكتابة أحد أهم أسباب التأقلم مع المجتمع الفرنسي 

عاش الكاتب والمفكر العراقى جبار ياسين حياة المنفى والاغتراب عن الأهل والعيش في مدن غريبة والترحال ومقاومة الأزمات بمنتهى الصمود، كان للمنفى الذي عاشه طوال 41 عاما تأثيرا في شخصيته وفى علاقته باللغة وعلاقته بالآخر وعلى طرقة ونسق الجملة سواء تعلق هذا بالنثر أم بالشعر، تم نفيه في سن العشرين وأبعد عن وطنه ويستخرج عصارة الأحداث التي اختلط معها على هيئة أعمال تترك أثرا في نفوس ووجدان القراء.
"فيتو" التقته في سياق الحوار التالى:


*هل مثقفو العراق لم يستطيعوا الحفاظ على الهوية الثقافية العراقية ؟
هناك خلل كبير في تأسيس الثقافة العراقية الحديثة تراكم لعقود طويلة وجاءت الحروب وجاء نظام صدام حسين القمعي ونظام البعث والقومية العربية الواحدة وإبادة الفرد، كذلك الحصار الذي مورس ضد العراق قرابة ثلاثة عشر سنة، كل هذه العوامل ساهمت في تهشيم البنية الثقافية العراقية الحديثة وبالتالي وجد المثقف نفسه ضائعا لعدم تمكنه من تكوين أساسات قويه له، فالعزلة تقود إلى الجنون، وعزلة العراق طويلا ساهمت أيضا في هذا الانحدار الثقافي، حيث اليوم لا نجد ثقافة في العراق بالمعنى الكلاسيكي والحديث للكلمة.
*هناك عيوب في جسد الثقافة العراقية سمحت للتنظيمات الإرهابية أن تدخل العراق ؟
الثقافة تعتبر سورا للمجتمعات، فحينما تتراخى وتتهدم هذه الاسوار فان كل شيء يمر من هناك، والإرهاب بالتأكيد له عوامل ومصادر كثيرة منها أيضا تركيبة الثقافة العراقية.
*كيف تستعيد العراق ثقافتها المدفونة ونبني جيلا عراقا مثقفا ؟
نحتاج إلى وعي السلطة إلى نفسها ووعي الفرد العراقي لنفسه، هي علاقه ما بين السياسة الخالصة والثقافة الخالصة، فلكي يكون العراق بلدا في دائرة البلدان ووطننا للجميع، هذه مهمة العراقيين والمواطن العراقي والدولة والمجموعات الاجتماعية الدينية والعرقية وهي مسألة في غاية التعقيد اليوم ولكن هل لنا أن نستعين بتجارب شعوب أخرى عاشت قبلنا هذا النوع من المأساة الإغريقية.

*هل ترى أنه كان أفضل للعراق عصر صدام ام هذا العصر الذي يعيشون فيه ؟
في الحقيقة الماضي لا يستعاد كما أن سقوط ديكتاتور في كل الأحوال هو مكسب للجميع ومهما كان الثمن باهظا ومهما كانت النتائج فإنه يفتح الطريق إلى المستقبل، قاسى العراق كثيرا وسيقاسي كثيرا لكنه سيجد نفسه يوما ما على الطريق الصحيح وما يحدث هو الدرس العظيم. هل كانت ألمانيا أكثر حرية في زمن هتلر الذي امتلك العالم كله ؟ بالتأكيد لا، الآن رغم الصراعات ورغم احتمال تمزق العراق يبقى المواطن العراقي والفرد العراقي هو المهم، تخلق الدول وتخلق الأفكار وكل شيء من أجل سعادة الإنسان فاذا استطعنا في يوم ما أن نصل لشيء لسعادة وطمأنينة الإنسان العراقي سيكون هذا شيء لا بأس به، في زمن صدام حسين لم يكن هذا ممكنا، فالطرق والابواب والنوافذ كانت جميعها مغلقة، وكان الفرد يموت يوميا مرات عديدة من الرعب والخوف وسحق الشخصية.
*إذن أنت ترى أن شخصية صدام اثرت سلبا على العملية الثقافية في العراق ؟
ليس شخصية صدام فقط إنما العوامل السابق ذكرها، وما يعيشه العراق من تمزق اليوم هو نتيجة هذا التحصيل الحاصل لمجمل هذه السنوات الطويلة.

*كيف اثر رحيلك من بغداد على كتاباتك؟
الانتقال من مكان إلى آخر من زمن إلى آخر من مجتمع إلى آخر ومن لغة إلى أخرى يختلف، خرجت من مجتمع صغير إلى مجتمع كبير ومنفتح ثقافيا وديموقراطيا ومتحررا فبالتأكيد هناك تأثيرات إيجابية، كما أن المنفى الذي عشته طوال الواحدة والأربعين عاما أثر في شخصيتي وعلى علاقتي باللغة وعلاقتي بالآخر وبطرقة الكتابة، وساهم حتى في تكوين نسق الجملة وطريقة كتابتي لها سواء تعلق هذا بالنثر أم بالشعر ولربما حتى في طريقتي في الحديث.
* صف لنا حياتك في السنوات الأولى بعد الغبعاد عن الوطن ؟
بالتأكيد كانت سنوات قاسية وكانت نوعا من اجتياز الصحراء كما نقول بالفرنسية، الوحدة والحنين والهامش فقد كنت اعيش على الهامش لانني لا اعرف المجتمع الذي وصلت اليه واجهل اللغة التي هي التوصيل بيني وبين هذا المجتمع بما في ذلك أيضا العادات بالإضافة إلى اني كنت وحيدا وكان عليا أن ابدأ كل شيء من جديد. كان المنفى بالنسبة لي نوع من ولادة قاسية جدا وصعبة في عمر العشرين فحينا نولد صغارا نولد محاطين بالعائلة الام والاب والاخوة والجميع ولكني ولدت بعد العشرين في المنفى ولادة كان عليا أن اكون فيها وحيدا وان اتدبر أمري في هذا العالم، لكن النظام اليومي والوعي والامل والادب في حد ذاته والذاكرة التي حملتها معي من العراق ساهمت في التخفيف من هذا العناء وتقدمت شيئا فشيئا ثم اصبح المنفى بالنسبة لي عادة واعتدت الآن على المنفى حتى انني عندما استقر في مكان أسبوعين أشعر بالملل وتعود بي رغبة عارمة إلى السفر إلى أن انفي نفسي في مكان آخر، وكما قال عني أحد السينمائيين الفرنسيين أنا منفي أبدى وهذا هو عنوان الفيلم الذي أنتجه وأخرجه عني بعنوان "الغريب الابدي".

*ما هي أهم أعمالك الشعرية من وجهة نظرك وتعتبرها الأغلى ؟ ولماذا؟
أعتقد أن أفضل أعمالي الشعرية هو كتاب "على ضفاف الجنون" الذي صدر بالفرنسية قبل العربية بكثير لأنه يروي تجربة في غاية الذاتية بالنسبة لي هي تجربة الانقطاع عن العالم والعزلة والوصول إلى العمق البعيد لآلام المنفى وآلام الوحدة ومحاولة إعادة خلق واجتراح العالم الذي أريد أن أعيش فيه، كما أنه يمثل أول تجربة شعرية باللغة الفرنسية وشعرت وأنا أكتب أنني متمكن منها نسبيا. 

* يتهمونك بأنك كاتب ذو رأي أوحد ولا تشارك قرائك بآراهم، فما ردك؟
أنا أكتب لنفسي بالتأكيد لكي أمارس حريتي ولست عبدا للقارئ، واذا كان القارئ غبيا فليذهب إلى الجحيم ولكنني اعتز بالقارئ الصديق فانا كتبت أيضا من أجل أن اوسع دائرة اصدقائي فكل قارئ ذكي هو بالنسبة لي صديق محترم، اما القارئ الذي يتهمني بعدم الانسياق وراء رغباته لا اقول انني لست بحاجة له لكنه قارئ لا يهمني كثيرا لأنه قد حدد مسبقا ماذا يريد أن يقرأ، فعليه الذهاب إلى مكان آخر حيث يجد من أشباه الكتاب الكثير من تلك الكتب التي لا فائده منها.
الجريدة الرسمية