25 سنة حتى نحقق الديمقراطية!
الرئيس عبد الفتاح السيسي قال أمس -الاثنين- في حديث صحفي إن مصر أمامها 25 سنة كي تحقق الديمقراطية.. وأتوقع أن يثير هذا التصريح ضجيجًا واسعًا وخصوصًا من هواة السياسة ومحترفي الجهاد والكفاح الحنجوري!
أرى أن تصريح الرئيس حمل كثيرًا من المصارحة، التي يمكن أن تصب في إطار المكاشفة المؤلمة، فالواقع السياسي لدينا مثير للشفقة والرحمة وأحيانًا الاستهجان، فالغالب الأعم من ممارسي السياسة، سواء من يمارسونها قبل ثورة يناير أو بعدها، لا يمارسون السياسة المعهودة بأي وسيلة من الوسائل المتعارف عليها في الممارسة السياسية، قديمًا وحديثًا، ونجد كثيرين منهم استسلموا أو استكانوا لهذا الوضع غير الفاعل الذي يضر بالأساس المجتمع الذي لابد له من تفعيل لقدراته وطاقاته، بوسائل عدة منها وربما أهمها التنظيمات السياسية المشروعة.
قطاع كبير من سياسيينا "خاملون" قصروا نشاطهم على شيء واحد فقط هو الحرص على الوجود الإعلامي، على شاشات الفضائيات والبرامج الحوارية.
أشعر أن كثيرين من ممارسي السياسة الآن، يعانون من الازدواجية السياسية، فمنهم من ينتمي ويرتبط بفكر ومرحلة الرئيس عبد الناصر، ولكن المثيرون منهم يشيحون بوجوههم عن مرحلة السيسي ويباهون باعتبار أنفسهم من المعارضين، ولا يخلو الأمر من انتقادات يوجهها البعض منهم للنظام ومرجعيته العسكرية واستناده إلى الجيش كقوة وسند في إدارة شئون البلد!
ورغم تحفظي على بعض هذه الانتقادات، فإنني أرى الازدواجية لدى أولئك واضحة جدًا، فكيف يا سيدي تنتمي فكرًا للمرحلة الناصرية، وتعارض مرحلة السيسي، فكلاهما ضابط جيش وكلاهما نتاج المؤسسة العسكرية، المناسبة أنا لا أعتبر أن مرحلة حكم الرئيس السيسي هي قمة المني بالنسبة لي للنظام السياسي الذي أتمناه يحكم بلدي، ولكني أراها مرحلة اضطرارية ضرورية أسهمت فيها وأوجدتها ظروف وأسباب متعددة ومختلفة!
وأعتقد أن مرحلة حكم السيسي مصر جاءت في وقت دار فيه جدل كبير حول تدخلات ورغبات قوى إقليمية لتغيير تركيبة المنطقة وموازين القوة فيها، وربما ـ كما أرى ـ أن النظام السياسي الحاكم في بلدنا هو الأقدر على التعامل مع هذه التحديات التي تحتاج بالأساس إلى تطوير القدرات العسكرية للجيش للزود عن تلك المحاولات التي لا تستهدف الخير لبلدنا وللمنطقة.
أرى أيضًا أنه كان يتعين على سياسيينا أن يبادروا ببذل الجهد والاجتهاد الشديد في الأداء السياسي استغلالًا لهذه المرحلة لبناء مجتمع سياسي قوي استعدادًا لمرحلة قادمة حتمًا ستأتي، تبتعد فيها الأجهزة السيادية، الجيش والشرطة والقضاء، عن السياسة تمامًا، وأن تكون مهمتها الرئيسية هي حماية المجتمع وليس حماية الحاكم أو مساندة نظام حكمه!
ومن هنا وبالعودة إلى تصريح الرئيس.. فلابد أن نقرأ التصريح من كل جوانبه، فالديمقراطية الحقة التي تكون نظام حكم حقيقيًا، لن تتحقق فقط بالتزام الحاكم بالديمقراطية في ممارسته السلطة، ولكن الديمقراطية الحقة تتحقق بالتزام المحكوميين أيضًا بأسس ومتطلبات الممارسة الديمقراطية، فالأمر ليس الحصول على حقوق فقط، دون القيام بواجبات.
الديمقراطية ليست على الدوام سعيًا لحشد الناس للخروج إلى الشوارع لإزاحة نظام حكم أو إسقاط حاكم، فالحالة الثورية ـ أي حالة ثورية ـ هي حالة مؤقتة مهما طالت، تستهدف بالأساس تغيير أمور خاطئة أو متجاوزة، يتعين على الجميع بعدها العودة لاستكمال الحياة بعد إزاحة الخطأ أو التجاوز !
تحقق الديمقراطية لن يتم بإرادة نظام حكم فقط، أو بالمناداة باستنساخ تجارب ديمقراطية من هنا أو هناك، فالديمقراطية ـ التي تُعرف في أبسط تعريفاتها بأنها حكم الشعب بالشعب ـ تحقق الديمقراطية فعلا وقولا وفق الثقافة والطبيعة المميزة لكل شعب، وما يصلح هنا لا يصلح هناك أو العكس.
بلوغ الديمقراطية مسئولية جماعية في أي مجتمع، رغم أن العبء الأكبر في تحقيق هذا الهدف يتحمله نظام الحكم، فالأمر لا يخلو من أدوار وجهود كثيرة يأتي على رأسها وفى مقدمتها الكيانات السياسية التي إذا ظلت على حالها من الركون والراحة، فلن تتحقق الديمقراطية أبدًا، وليس بعد 25 عامًا كما قال الرئيس !!