الحوار المفقود مع الشباب.. الألتراس نموذجا ؟!
أعاد تجمع آلاف من شباب "ألتراس" الزمالك أمس الاثنين، في ساحة حديقة الفسطاط تأكيد كذب ادعاء رئيس نادي الزمالك بأنه أنهى وجود شباب الألتراس بنادي الزمالك للأبد، وتكشف أن رئيس نادي الزمالك لم يحقق إنجازا، كما كان يريد أن يروج، وتبين كذلك عدم صحة أن ما حققه مع ألتراس الزمالك نموذج لكل من يريد التعامل مع شباب الألتراس أو مع غيرهم من الشباب!
أنوه إلى أنني لا أريد -هنا في هذا المقام- أن أقيم محاكمة لرئيس نادي الزمالك وقناعاته وأفكاره وأسلوبه في التعامل مع الشأن العام، هذا ليس مقصدي مطلقًا، ولكني أشير إلى أنني رأيت أن أتخذ من تجمع شباب ألتراس الزمالك بحديقة الفسطاط مدخلا للحديث عن أزمة الحوار المفقود بين المجتمع وشباب الألتراس خاصة وبين غالبية قطاعات الشباب ما دون سن الثلاثين بشكل عام.
الحديث عن هذا الحوار المفقود يدفعني كذلك للإشارة عن التطورات التي أحاطت بألتراس الأهلي في الأيام الماضية، فقد تجمع آلاف منهم في استاد مختار التتش بالجزيرة رافعين لافتات ومرددين شعارات حوت إساءات واتهامات لرموز ولمؤسسات عامة، خرج بعدها إعلاميون ومهتمين بالشأن العام يطالبون بإقامة مشانق لأولئك الشباب، وتفاعل مع دعاوي بعض الإعلاميين أناس بسطاء من عامة الشعب !
وفى ذات اليوم خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي على الرأي العام، ورغم أن كثيرين من الداعين إلى التنكيل بشباب الألتراس من المقربين لمؤسسة الرئاسة، أبدى تعاطفًا كبيرًا مع شباب ألتراس أهلاوي، مبادرًا باستعداده لتلقي أي معلومات قد تفيد في كشف غموض جوانب مجزرة بورسعيد، وكان الأمر الأهم الذي أعلنه الرئيس ودون مواربة اعترافه بالفشل في التحاور مع الشباب، ووعد باستمرار المحاولات لنيل ثقتهم!
الحقيقة أنني رأيت في تصريحات الرئيس وما احتوته مداخلته التليفزيونية التي أعلن فيها رأيه في الحوار المفقود بين المجتمع والشباب أمرًا إيجابيًا، هذا ليس لأنني ممن يرون في كل ما يفعل الرئيس إنجازات وأفكارًا منزهة عن الخطأ، ولكن لأنني أدرك أنه واجب على عبد الفتاح السيسي وبصفته أبًا أو مسئولا بشكل كامل عن كل قطاعات شعبه والتفاعل معهم، الصالح والطالح فيهم على حد سواء.
وتصادف مع هذه التطورات نشوب أزمة بعد قيام اثنين من الشباب بالسخرية من الشرطة بأسلوب خارج على الآداب والتقاليد المعهودة.
الحادث إننا لم ندرك أن الشباب ما دون الثلاثين نشأ وترعرع على قيم مختلفة تمامًا عن القيم التي سار عليها المجتمع لعقود طويلة، قيم رسخها عصر التقدم التكنولوجي وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، قيم تفتقد الحميمة والتواصل المباشر بين الناس، قيم تعتمد بالأساس على "كبسة زر" الأجهزة الذكية الخالية من أي روح، والبعيدة عن الخواطر والمشاعر الفياضة.. هذه القيم يرفضها كثيرون منا ويرون فيها "قلة أدب"، وربما يكون هذا صحيحًا، ولكن قيامنا بتسفيه أولئك الشباب وتلك القيم التي يعتنقوها لن يجعلهم يتراجعون أو يشعرون بالخطأ، والمبادرة بطلب الصفح.. هذا لن يحدث، لا بد من أن ندير حوارًا مطولا ومتدرجًا مع فئات الشباب المختلفة، يجب ألا نبدأ من قاعدة إنهم مخطئون ونحن على الصواب، يجب ألا نيأس ونكرر المحاولة تلو الأخرى إلى أن ننجح في التواصل مع جيل الشباب.
وأخيرًا.. أعترف بفشلي في إدارة حوار مع ابنتي الكبرى ـ وهي من بين شباب ما دون الثلاثين سنًا، فهي تراني ووالدتها من الفلول ومن الجيل الخانع الذي رضي بالظلم والتهميش والفساد وأحيانًا ترانا منتمين للنظام القديم.. وترى أنه حان الوقت كي نتراجع للخلف وربما ننتهي من الوجود.. أكرر فشلت في التحاور معها وإقناعها بأمور وحقائق كثيرة، ورغم هذا الخلاف الرهيب في التفكير فإنني لم أسمح للود أن يضيع بيننا.
ولا أبالغ إذا قلت إنني وابنتي نموذج يجب أن يدركه الجميع كي نجد مخرجًا من أزمة الانفصال الحادث بين المجتمع والشباب ما دون الثلاثين سنًا.