القرى النموذجية أصابتها العشوائية
قمت بزيارة لقرية "بلال بن رباح"، وهى إحدى قرى محافظة البحيرة غرب مدينة النوبارية، وهى المدينة التي أقامتها الدولة لتكون مدينة زراعية نموذجية جذبت كثيرًا من المستثمرين الكبار جدًا والذي وصل حيازتهم إلى آلاف الأفدنة وكذلك أصحاب الحيازات الصغيرة والتي لا تقل حيازتهم عن اثنين فدان ونصف والتي باعتها الحكومة لهم منذ 18 سنة بما لا يزيد سعر الفدان على خمسة آلاف جنيه كأرض رملية مستصلحة منتجة بها نظام ري على أحدث مستوى عالمى..
وصل سعر الفدان الآن إلى مائتين ألف جنيه وأقامت الدولة بكل قرية مستشفى ومركز شباب ومدارس وبيوت للسكن بل خصصت الدولة أراضى يسمونها الأهالي(مخلللات)، وهى أراض مخصصة للبناء لكى تستوعب الزيادة السكانية المنتظرة في المستقبل وعاش سكان القرى ينعمون بزراعة أجود محاصيل الفاكهة والخضر، حيث باع معظم أهالي القرية أراضيهم وبيوتهم في قراهم الأصلية وجاءوا إلى مدينة النوبارية، حيث رخص سعر الفدان وبالتقسيط ولكن مع الوقت تحول المستشفى ومركز الشباب إلى ساحات خلاء يربى فيها الموظف المكلف من الدولة للعمل بها كل أنواع الطيور..
المدارس بلا نظام ولا تعليم والطرق أهملت وجار أصحاب المزارع الكبرى على نصف الطريق وأدخلوه في زمام مزرعتهم وأصبحت الطرق بلا صيانة ورأينا بعض الأهالي يشكون من أن مياه صرف المصانع الكبرى تصرف مخرجاتها في مياه صرف الأراضى، حيث تسببت في رائحة كريهة، ومنهم من ادعى أنها تدخل في مياه الترع المخصصة للشرب، ومنهم من أنكر وقال إن مياه الشرب الخاصة بالمدينة تأتيهم من مدينة الإسكندرية وأنه حدث أن حذر مجلس المدينة في وقت من الأوقات من عدم شرب المياه، حيث إنها ملوثة لسبب ما ثم يبدو أن هذا السبب قد زال ورجعت وسمحت بالشرب، ولكن هذا المنع يبدو أنه قد ترك أثرًا في نفوس الأهالي مشككين في صلاحية المياه للشرب..
ورغم أن الأهالي أغنياء بما يملكون من أملاك فإنهم يشكون الفقر والعشوائية وهم ليسوا بعيدين عن تحمل جزء من سبب هذا الفقر والعشوائية التي أصابت قراهم النموذجية.
فمنهم من اهتم بأرضه وعمل على زيادة إنتاجها وزادت استثماراته ومنهم من أهمل وعمل في وظائف أخرى ومنهم من أجر الأرض وسعى ليبحث عن وظيفة أو أنه اشترى "توك توك أو ميكروباص" للعمل عليه.
أنا لا أعفى أهالي القرية من المسئولية ولكنى لا أعفى الدولة أيضًا من مسئوليتها الرقابية على الإنتاج والصحة والتعليم وكل شىء.. هذا غير أن الأراضى المخصصة لاستيعاب الزيادة السكانية للقرية (المخلالات) جاء من خارج القرية من وضع يده عليها وتم البناء عليها فلا يهمنى كيف حدث هذا، ولكن ما يعنينى أنه بعد فترة ستكون النتيجة الحتمية لاستيعاب الزيادة السكانية هي البناء على الأرض الزراعية كما حدث في الأراضى الطينية الآن وبهذا ستحدث مشكلة غذائية خطيرة فقد تركنا الأراضى الطينية الخصبة وزرعنا في الصحراء ونجحنا بحمد الله نجاحا باهرا حتى تحولت الأراضى الرملية الصفراء إلى أراضٍ خصبة تقترب من خصوبة الأرض السوداء..
ولكن السؤال من يحمى هذه القرى مما أصاب ريفنا الجميل من عشوائية ؟
من يحمى ما تبقى لنا من أراضٍ تنتج للاستهلاك المحلى للمصريين لأن معظم أصحاب الحيازات الكبيرة أراضيهم مخصصة للتصدير!؟
لذا فعلى كل وزراء الحكومة الاهتمام بعلاج مشكلة العشوائية في القرى والمدن الزراعية الجديدة مثل النوبارية والسادات والصالحية ووادى النطرون وغيرها فهم مستقبل مصر القادم.. ولك الله يا مصر حماك الله ورعاك.