رئيس التحرير
عصام كامل

هل نحن ضد الإصلاح؟!


في رأيي أن رفض البرلمان قانون الخدمة المدنية إنما يعكس عدة فرضيات ينبغي توضيحها.. أولاها أن ما يثار عن وجود ائتلاف موالٍ للحكومة داخل البرلمان يسعى لتمرير قوانينها والموافقة على ما تطرحه من برامج وخطط لا دليل عليه؛ بدليل رفض أهم قوانين الحكومة قاطبة وهو قانون الخدمة المدنية الذي كثر من حوله اللغط والسجال..


وثانيتها أن الحكومة لم تحسن تسويق القانون لا بين العاملين والموظفين ولا بين النواب الذين أبدى أغلبهم استعداده لدعم الدولة.. ومن ثم لم يجد هذا القانون الدعم الواجب لإقراره.. والأهم الاقتناع بجدواه وضرورته خصوصًا بين الأفراد المخاطبين بأحكامه..

ثالثًا افتقاد الحكومة للحس السياسي بدليل أنها أبدت استعدادها –على لسان وزيرها في البرلمان- لتعديل المواد المرفوضة فورًا.. فإذا كانت مستعدة لإجراء مثل هذا التعديل فلماذا لم تقم به منذ البداية؛ تجنبًا لمثل هذا الجدل العقيم، والإرباك المتوقع لأجهزتها جراء رفض القانون في البرلمان.

الغريب حقًا أن معظم المعترضين على قانون الخدمة المدنية سواء قبل طرحه تحت قبة البرلمان أو بعد رفضه من جانبه لم يقرأوه أصلًا ولم يتدارسوا مواده ولا ذكروا دواعي رفضهم أو تحفظاتهم عليه؛ وهو ما يجعل مثل هذا الاعتراض خاليًا من المنطق والوجاهة، ومجافيًا للإصلاح الذي يحتاجه الجهاز الإداري للدولة وهو جهاز متضخم مترهل مثقل بالبيروقراطية والفساد..

فهل يليق بمصر أن تصبح رواتب العاملين فيها وحوافزاهم بمثابة إعانة اجتماعية تشجع على الكسل والتواكل والتراخي، وتخاصم العدالة، وتقتل مبدأ الثواب والعقاب، وتساوي بين المجد والمقصر.. بين من يتعب وينجز ومن يكسل ويعطل.. فهل مثل هذه الثقافة تبني وطنًا جرى استنزافه على مدى عقود وعقود.. ألا يعوق ذلك تطبيق قول الله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

إن مقارنة بسيطة بين جهازنا الإداري البالغ 6.2 ملايين موظف وبين الأجهزة الإدارية لأعتى الدول تدلنا بوضوح على أن ثمة طاقات معطلة وبطالة مقنعة إذا تركت على حالها دون تطوير وإعادة تدريب وتوزيع على قطاعات ومجالات تشتد حاجتنا إليها فلا ننتظر معالجة لعجز الموازنة المتفاقم وصعود جدول الأجور والرواتب دون أن يقابله صعود مماثل في حجم الإنتاجية والناتج العام..

كما أن إصلاح الجهاز الإداري للدولة مطلب أصيل تعالت به الأصوات منذ سنوات؛ نظرًا لما يعتري هذا الجهاز من بيروقراطية عقيمة وفساد صار معوقًا للإنجاز وعدوًا للنجاح وطاردًا للاستثمار والإنتاج.. ويكفي هذا القانون الذي تبارى النواب في رفضه أنه يضع وربما للمرة الأولى في تاريخنا المعاصر معايير موضوعية لتقييم الأداء ليس من جانب الرئيس لمرءوسيه فحسب، بل يشارك فيه الموظف ذاته والجمهور الذي يستفيد من خدماته.
والسؤال: هل نحن ضد الإصلاح ؟
:alyhashem51253@gmail.com
الجريدة الرسمية