رئيس التحرير
عصام كامل

لا يزال يومًا يرفع الرأس


ولم يكن غير ذلك، إنَّه يوم الخامس والعشرين من يناير، يومٌ ولدت معه الأحداث المهمة، كان أولها في العام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين، حدث شهدته مدينة الإسماعيلية المناضلة.. في موقعة راح ضحيتها خمسون شهيدًا وثمانون جريحًا من رجال الشرطة المصرية على يد الاستعمار الإنجليزي، حين رفض رجال الشرطة تسليم أسلحتهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال.


وفي التاسع من فبراير من العام ألفين وتسعة، صدر قرار جمهوري باعتبار هذا اليوم إجازة رسمية للحكومة والقطاع العام تقديرًا لجهود رجال الشرطة المصرية في حفظ الأمن والأمان واستقرار الوطن واعترافًا بتضحياتهم في سبيل ذلك.

وكان شعار الشرطة في يوم ما "الشرطة في خدمة الشعب"، لكن تغيَّر الشعار إلى الشعب والشرطة في خدمة الوطن، وعاد الشعار من جديد إلى الشرطة في خدمة الشعب وذلك بعد تنحي الرئيس مبارك عن منصبه.

ولست بصدد الحديث عن تغيير شعار الشرطة من أن يكونوا في خدمة الشعب، فيصيروا مع الشعب في خدمة الوطن، فالشرطة جزء من الشعب والشعب هو الوطن، وفي النهاية الشعب يخدم نفسه بنفسه من خلال أدوار متعددة ومتنوعة، الكل في خدمة الشعب الجندي والشرطي والعامل والفلاح وكل رجل وامرأة كادحين يعملان باجتهاد لتطوير البلاد.

وإن كان للشرطة دور مهم في حفظ أمان البلاد في الداخل وتفعيل القانون، وضمان تحقيق العدالة القانونية والاجتماعية.. فما الذي حدث في الخامس والعشرين من شهر يناير في ذكرى عيد الشرطة في العام ألفين وإحدى عشر؟
ولماذا قامت الثورة؟ ولمَ اختارت هذا اليوم، يوم عيد الشرطة؟

في العام ألفين وإحدى عشر اختارت عدة مجموعات مصرية معارضة لنظام مبارك، هذا اليوم للبدء باحتجاجات شعبية، ما لبثت أن تحولت إلى ثورة شعبية عمت أرجاء البلاد في الثامن والعشرين من يناير، من ذات العام.

ونسينا عيد الشرطة، والتصقت بأذهاننا ثورة الخامس والعشرين من يناير، الذي تنحى على إثرها الرئيس مبارك عن منصبه، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة قيادة البلاد.

فما المحير في هذا اليوم؟
هل لا يزال يوم افتخار وانتصار؟
هل نحتفل بهذا اليوم؟ أم نزيله من قائمة أعيادنا الوطنية؟

في الثلاثين من يونيو عاد الشعب ليطيح بحكم الإخوان الذين كانوا قد استحوذوا على السلطة لأنفسهم وحكموا البلاد مدة عام، كاد الشعب فيه أن يلفظ أنفاسه.

فهل كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير، ثورة كل فصائل الشعب؟ أم ثورة فصيل واحد هو الإخوان؟

أيمكن أن نقول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي ثورة شعبية، حركتها أصابع إخوانية، وبالتالي نحصر فضل تنحي الرئيس مبارك على الإخوان المسلمين وننسى شهدائنا الذين دفعوا أرواحهم ثمنًا لذلك التنحي؟

هل كان يمكن للشعب أن يثور ثانية في الثلانين من يونيو ليصحح الأمور ويعيدها إلى نصابها، لو لم يكن واثقًا من نفسه، بعدما تأكد أنه لا بد لإرادته أن تنتصر في هذه المرة أيضًا، بعدما انتصرت قبلًا في الخامس والعشرين من يناير، واستطاعت هزيمة النظام الفاسد. لذا صار بإمكانها متى اتفقت واتحدت وتجمهرت أن تهزم دائمًا أي نظام فاسد، يحاول ولو للحظة الاستهانة بكرامة الشعب؟

هو يوم يرفع الرأس يستحق أن نحتفل به، بشهدائنا من رجال الشرطة في موقعة الإسماعيلية في العام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين.. يستحق أن نحتفل به، وبشهدائنا الذي دفعوا حياتهم ثمنًا لتنحي نظام فاسد قبع على صدورنا ثلاثين عامًا.

يوم لا يقل أهمية عن يوم الثلاثين من يونيو، الخامس والعشرون من يناير ليس يومًا للإخوان ولا ثورة إخوانية، ولا ثورة شعبية حركتها أصابع إخوانية، وليس ثورة بسيناريو وإخراج إخواني.

بل على العكس، يمكن لنا ونحن نحتفل بهذا اليوم أن نتذكر ما فعله الإخوان من أمور مشينة أساءوا من خلالها إلى الشعب والشرطة، محاولين إفقاد الشرطة هيبتها، نازعين صمام الأمان والاستقرار من بلادنا، زارعين البغضة بين الشعب والشرطة، محاولين تدمير ثقة الشعب بالشرطة.

تعاولوا لنتحفل بهذا اليوم، نعيِّد مع أبنائنا من الشرطة بعيديهم ندعو لهم بالسلامة، نعيد لهم هيبتهم وسلطتهم وإدارتهم لتفعيل القانون وتحقيق العدل في البلاد.

تعالوا لنحتفل بهذا اليوم لأنه اليوم الذي أثبت فيه الشعب لنفسه بأنه ذلك المصري الغيور على بلده، والقادر على الإطاحة بأي نظام خائن يمكن له أن يفسد حياته.. تعالوا لنحتفل بهذا اليوم ولا ننسى شهداءنا الذي فدوا الوطن بأرواحهم.. وتعالوا نتذكر في هذا اليوم أن لنا أعداءً خونة ذئابًا، لا ولن يخيفنا عواؤهم، فنحن لهم بالمرصاد.
الجريدة الرسمية