رئيس التحرير
عصام كامل

«روزا باركس» في ذكرى ثورة يناير


ليس من المعقول أن تأتى ذكرى ثورة يناير ولا أكتب عنها، ولكن ماذا أكتب بعد مرور 5 سنوات أعادتنا إلى الخلف ولم تتقدم بنا خطوة واحدة للأمام، لو أن الدماء الشابة الطاهرة التي استشهدت فيها عادت إلى الحياة ترى هل سيندم أصحابها أن ضحوا بحياتهم وتركوا خلفهم مكلومين عليهم حتى يصل الحال بنا إلى الانقسام الذي نحن عليه ما بين مؤيد ومعارض لثورتهم ومازلنا عن نقطة الصفر نختلف على المسميات ثورة أم لا، رغم أن أهدافها يتفق عليها الجميع عيش حرية عدالة اجتماعية.


إن هناك ثمة خلل ما حدث بعدها وليس للثورة ذنب فيه فقد نضح الإناء بما فيه وطفت على السطح نتائج العقود السابقة من الإهمال والفساد وأثر هذا تأثيرا واضحا على الأخلاق والقيم وصنع جدرانا من سوء التقدير والحكم على الناس والمواقف المعتمد غالبًا على قناعات سابقة وليس على معلومات أو حتى على منطق مقبول.

كانت هذه هي الأفكار تغزو رأسى وأنا أقرأ مع ابنى قصة "روزا باركس" المقررة عليه هذا الشهر، تدور أحداث القصة في عام 1955 بمدينة مونتجمرى في ألاباما جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، كانت روزا عائدة من عملها مرهقة فجلست على أحد المقاعد الأمامية المخصصة للبيض بإحدى الحافلات العامة، حيث كانت مقاعد السود في الخلف فأمرها السائق أن تترك مكانها لرجل أبيض فرفضت فطلب لها الشرطة التي قادتها إلى السجن، ولم تكن تعرف ما ينتظرها من عقاب لفعلتها المشينة آن ذاك، وقالت في حوار لها بعد سنوات كل ما أردته هو حقى كإنسانة ولكنها وجدت مساندة كبيرة من السود الذين يعانوا نفس معاناتها من العنصرية، وكان على رأسهم مارتن لوثر كينج صاحب مقولة لدى حلم بالمساواة والحرية، والذي طالب بعمل ما يسمى "البويكوت" وهو مقاطعة للحافلات العامة..

فكان السود يستيقظون مبكرا ليذهبوا لعملهم على الدراجات أو على أقدامهم مما تسبب في خسارة بعضهم وظائفهم فكان من يعمل يساعد من لا يعمل بالطعام والملابس وأصبح البيض وقتها أكثر عنفًا فكانوا يتعمدوا إيذاءهم وحرق بيوتهم ولكن هذا لم يؤثر فى عزيمة السود واستمرارهم في القطيعة التي تسببت في خسارة كبيرة بقطاع المواصلات والتجارة، مما أجبر الدولة في النهاية على أن تغير من قانونها العنصرى في الحافلات العامة وتقر المساواة بجملة رائعة دمعت لها عيناى، إن العلاقة بين البيض والسود كالعلاقة بين بياض العين وسوادها.

لم تكن "روزا" الخياطة الفقيرة ذات الأربعين عامًا تتصور أنها ستدخل التاريح من أوسع أبوابه ليصبح أوباما رئيسا لأمريكا بعد نصف قرن من القصة، إن من غيروا التاريخ كانوا شرفاء بلا أطماع وعلى قلب رجل واحد فصمدوا في وجه أصحاب المصالح حتى انتصروا.
الجريدة الرسمية